أوديسا .. هل تولي وجهها شطر موسكو؟
وكالة الأنباء القطرية :
بخطىً حثيثة ،تدير مدينة أوديسا الاوكرانية الاستراتيجية ظهرها لكييف وتتجه شرقاً لتلحق بشبه جزيرة القرم في الانضمام الى روسيا ، خطوة- ان تمت – فهي كفيلة بإحداث شرخ لن يطال اوكرانيا وحدها بل سيؤثر على الاتحاد الاوروبي في العمق نظراً لما تمثله اوديسا من مكانة جغرافية وتاريخية واقتصادية .
وتقع مدينة اوديسا في جنوب غرب أوكرانيا وتضم خليطا عرقيا عريضا من الروس والاوكرانيين والجورجيين والتتار ، ويبلغ عدد سكانها مليون نسمة ولها تاريخ قديم فهي البوابة الجنوبية للإمبراطورية القيصرية وبها ميناءان أحدهما محطة نفطية والاخر محور نقل رئيسي، كما انها أحد المراكز الصناعية في أوكرانيا ونقطة تحول مهمة للنقل البحري والسكك الحديدية كما تنتج مصافي النفط بها كميات كبيرة من منتجات البترول، بالإضافة الى مصانع السيارات .
ويرى محللون أن فقدان السيطرة على أوديسا سيكون ضربة اقتصادية وسياسية ضخمة لكييف التي تتهم موسكو بالتخطيط لتفكيك أوكرانيا، كما ان ذلك سيزيد مخاوف الغرب من ان أوكرانيا المنقسمة بالفعل ثقافيا يمكن ان تتفكك بين شرق صناعي يتحدث الروسية، وغرب يتطلع أكثر الى الاتحاد الاوروبي ، وبالإضافة الى المشاكل الانسانية التي يمكن ان تترتب على ذلك فان الدول المجاورة الاعضاء في حلف شمال الاطلسي / ناتو / والاتحاد الاوروبي ستواجه أزمة اعمق في العلاقات مع موسكو التي تزود الكثير من الدول الغربية بالطاقة عن طريق أوكرانيا.
وقد شهدت تلك المدينة خلال الـ48 ساعة الماضية أحداثاً رشحتها لتتصدر اهتمامات القادة في دول الاتحاد في اطار مساعيهم لتهدئة الاوضاع في اوكرانيا والتي يتعقد المشهد فيها ساعة تلو الاخرى ،فقد ارسلت الداخلية الاوكرانية امس /الاثنين / وحدة جديدة من القوات الخاصة الى اوديسا بعد فشل الشرطة في التعامل مع انفصاليين مؤيدين لروسيا خلال أعمال العنف التي وقعت في مطلع الاسبوع وقتل فيها العشرات.
وقال وزير الداخلية الاوكراني ارسن أفاكوف ان قوة أوديسا الجديدة مكونة في الاساس من ناشطين مدنيين بعد ان تم عزل قيادة الشرطة المحلية بالكامل ويمكن ان يواجه افرادها اجراءات جنائية،حيث قررت الشرطة الافراج عن 67 متشددا يؤيدون روسيا بعد ان حاصرت حشود مركز الاحتجاز واقتحموه اول امس الاحد.
ومن جانبه، وصف رئيس الوزراء الأوكراني ارسيني ياتسينيوك أعمال العنف في اوديسا التي أوقعت نحو أربعين قتيلا يوم الجمعة الماضي ، بأنها جزء من خطة روسية لتدمير أوكرانيا، وردت الرئاسة الروسية على لسان المتحدث الرسمي لها بالقول إن السلطات الأوكرانية في كييف هي التي تتحمل المسؤولية المباشرة عما وصفته بالجريمة الدموية في أوديسا،وأن تطور الأحداث في أوكرانيا يؤكد صحة موقف روسيا مما جرى في القرم.
وتنظر كييف الى العنف في مدينة أوديسا على انه نقطة تحول وتحذر من المخاطر اذا امتد التمرد خارج شرق البلاد الذي يتحدث الروسية ، وتعد أحداث العنف الاخيرة هي الاكثر دموية منذ فرار الرئيس المؤيد لموسكو فيكتور يانوكوفيتش الى روسيا في شباط/ فبراير وبدء متشددين مؤيدين لروسيا تمردا في الشرق الصناعي.
ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، تقريرًا حول تطورات الوضع في شرق أوكرانيا، وأهمية المنطقة في نقل خطوط الغاز من روسيا إلى أوروبا ،وكتبت تقول ، إن أوكرانيا تحاول احتواء التمرد الموالي لروسيا، الذي يهز منطقتها الشرقية، ووصفت ما يحدث في شرق أوكرانيا بالصراع الأكثر أهمية.
وأبرزت أهمية شرق أوكرانيا، باعتباره المكان الذي يتدفق من خلاله الغاز الطبيعي الروسي بنحو 20 مليار دولار كل عام، عبر خطوط أنابيب ضخمة تحت الأرض، إلى أوروبا عبر ما يقرب من 3 آلاف ميل من سيبيريا.
وأضافت الصحيفة، إن الحكومة الأوكرانية الموالية لأوروبا تعتقد، أن الفرصة متاحة لها لكسر احتياجها لشركة جازبروم عملاق الطاقة التي تسيطر عليها الدولة الروسية، عبر بدء ما يسمى بالتدفق العاكس للغاز من أوروبا إليها.
وأشارت نيويورك تايمز ، إلى توقيع اتفاقية، الأسبوع الماضي، بين سلوفاكيا ومشغلي خطوط الأنابيب الأوكرانية، والتي فتحت الطريق لتسليم شحن نفط يعكس تدفق النفط إلى أوروبا، بأسعار أقل بكثير من تلك التي تطالب بها شركة جازبيروم للبيع المباشر لأوكرانيا، وتوسط الاتحاد الأوروبي تلك الصفقة.
وفي بادرة دبلوماسية، أعلن الكرملين أن رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ديدييه بورخالتر سيزور موسكو غد /الأربعاء/ لمحاولة /نزع فتيل التوتر في أوكرانيا/ وذلك بعد الإفراج السبت عن مراقبي المنظمة الذين احتجزهم انفصاليون موالون لروسيا لمدة ثمانية أيام. وجاء الإعلان عن الزيارة إثر اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي أعلنت أن روسيا والمنظمة في أوروبا ستناقشان سبل إطلاق حوار وطني في أوكرانيا.
وفي سياق متصل أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية عزمها مراجعة مشاركة المراقبين الألمان في مهمة مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كما دعا وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى عقد مؤتمر جنيف ثان لبحث الوضع في أوكرانيا.
وقد طلبت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون اجراء تحقيق مستقل لتحديد المسؤولين عن اعمال العنف التي اوقعت قتلى في اوديسا، ودعت الى “ضبط النفس” لمنع تفاقم الوضع ،ودعت جميع الاطراف الى اكبر قدر من ضبط النفس وعدم استغلال هذه المأساة لزيادة تأجيج الكراهية والانقسام والعنف المجاني .
كما اعتبر الامين العام للحلف الاطلسي أندرس فوغ راسموس ان روسيا ترتكب “خطأ تاريخيا” بمواصلة ما اسماه بالعمل على زعزعة الاستقرار في اوكرانيا وألمح الى ان عقوبات قاسية تستهدف الاقتصاد الروسي سوف تتخذ ، لكنه استبعد الخيار العسكري.
وكان ممثلون عن أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توصلوا في جنيف في منتصف ابريل الماضي إلى اتفاق يهدف إلى خفض التوتر في أوكرانيا وإعادة الاستقرار السياسي إليها إلا أن هذا الاتفاق بقي حبرا على ورق واستمر التصعيد على الأرض.