أهمّية جبل مراد والجوبة في حسم معركة مأرب
موقع قناة الميادين-
علي ظافر:
باتت صنعاء تسيطر بشكل كامل على 12 مديرية من أصل 14، ولم يتبقَّ لتحالف العدوان ومرتزقته سوى مدينة مأرب، التي أصبح حسمها قاب قوسين أو أدنى، وصار تحريرها مسألة وقت فقط.
إعلان القوات المسلَّحة اليمنية السيطرة الكاملة على مديريتي جبل مراد والجوبة لم يكن حدثاً عادياً عابراً، ولا ينبغي أن يكون كذلك، ذلك أن هذا التطور السريع يحمل في طياته 7 دلالات مهمة، وهي:
– تطور وتفوق عسكري في التخطيط والتكتيك ودراسة مسرح العمليات.
– قدرة فائقة على الحسم العسكري السريع، رغم كثافة الغارات وصعوبة التضاريس واتساع مسرح العمليات.
– امتلاك خطوط تواصل ساخنة (مفاوضات) مع مشايخ القبائل ووجهائها وزعاماتها العسكرية.
– امتلاك حاضنة شعبية كبيرة مؤيّدة لاستراتيجية التحرير الشامل، ومنخرطة بقوة في صفوف القوات المسلحة واللجان الشعبية.
– اختراق صفوف العدو استخباراتياً.
– تبدّل المزاج الشعبي في المحافظات المحتلة، بما فيها مأرب، بعد تعرّض أبنائها لخذلان التحالف في أكثر من محافظة.
– حقيقة أن الغطاء الجوي والغارات المكثفة لا يحقّقان نصراً، ولا يحسمان معركة.
وهنا، لا يمكن الفصل بين ما حصل في مديريتي جبل مراد والجوبة خلال اليومين الماضيين، وما حصل قبلها في مديرية العبدية أثناء عملية “ربيع النصر”، فكلاهما ضمن عملية واحدة على مرحلتين، وفي سياق واحد، لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أنَّ تحرير العبدية تحديداً مثَّل بداية لتساقط أحجار الدومينو والسقوط الدراماتيكي لكلِّ مديريات البوابة الجنوبية لمأرب، ذلك أنَّ مديرية العبدية كانت الأكثر عتاداً وتحصيناً واحتضاناً للقيادات العسكرية المتشدّدة من “الإصلاح” و”داعش” على حد سواء.
وبالتالي، هذا الانتصار مثَّل مفتاحاً لاستكمال تحرير ما تبقى من مواقع في مديرية الجوبة، وسقوط مديرية جبل مراد بأقلّ التكاليف في العديد والعتاد، والفضل في ذلك لقوّة الحضور الميداني وسخونة خطوط التواصل مع القبائل التي سلّمت للسّلطة المحليّة. والدليل أنّ محافظ مأرب الذي عيّنته صنعاء، اللواء علي محمد طعيمان، كان من أول الحاضرين في ساحة المديرية، بهدف طمأنة سكانها وتقديم الشّكر لقبائلها الّتي تعاونت مع القوات المسلحة في تحقيق هذا الإنجاز.
ماذا بعد؟
من يتأمّل خريطة مأرب، يجد أنّ مديريات العبدية وحريب والجوبة وجبل مراد وصرواح على تماس مباشر مع مديرية الوادي، حيث تتربع مدينة مأرب، آخر معاقل التحالف والمرتزقة و”القاعدة” و”داعش”، وعلى مسافة كيلومترات قليلة جداً، ذلك يعني أن تمكّن قوات صنعاء من استعادة هذه المديريات يمثل البوابة الجنوبية ومفتاح المدينة، وبطبيعة الحال مفتاح الحسم والنصر معاً، بحكم أنَّ هذه الإنجاز منح قوات صنعاء نقاط وصل جغرافية جديدة في المدينة، وقطع في المقابل نقاط الوصل الجغرافي أمام الطرف الآخر في محافظتي البيضاء وشبوة (عبر العبدية). وقد عزز حضور قوة صنعاء ميدانياً سيطرتها التامة على مديريات عسيلان وبيحان والعين في محافظة شبوة الاستراتيجية المتاخمة جغرافياً لمأرب.
ذلك يعني أيضاً أنَّ قوى العدوان باتت مطوّقة من 3 اتجاهات، ولم يعد أمامها سوى طريق العبر باتجاه حضرموت، وطوق نجاة وحيد، وهو الاستجابة لـ”مبادرة مأرب” التي أطلقتها صنعاء من موقع قوة، ولكنهم ظنّوا أنَّها أطلقت من موقع ضعف! إنَّ الحسم بات قاب قوسين أو أدنى، واستعادة مدينة مأرب “باتت مسألة وقت”، وفق تصريحات وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي لصحيفة “الأخبار” اللبنانية، والذي أكد أنَّ “السيادة لا تخضع للنقاش”، في إشارة إلى أنه لا يمكن التراجع في استراتيجية التحرير والحسم.
مثل هذه التصريحات نابع من موقع قوة، في مقابل اختلاط الأوراق والأولويات لدى الأطراف المقابلة، التي باتت في حالة غير مسبوقة، وفي دائرة مغلقة من اليأس والإحباط والتشتت، على وقع الهزائم المتتالية، من البيضاء إلى شبوة إلى مأرب، وبين الماضي والحاضر، والخشية من المستقبل الأسوأ في الوقت نفسه، فتحرير مأرب يعني سياسياً سقوطاً لما يسمى “الشرعية”، لكون المدينة آخر معاقلها الحصينة في الشمال اليمني، ويعني أيضاً سقوط شمّاعة ومبرّر التحالف الذي يزعم حماية “الشرعية”، وبالتالي ضياع جهود سنوات طويلة ومضنية من الحرب والتمويل اللامحدود، في مقابل صفر نتائج وصفر إنجاز وصفر مكاسب، كما أنّ معركة مأرب تحدّد مصير حكومة الفنادق التي لم يعد لديها مأوى في اليمن، وليس مرحباً بها في الجنوب، ولا وجود لها في الشمال.
إجمالاً، باتت صنعاء تسيطر بشكل كامل على 12 مديرية من أصل 14. من الجهة الشمالية، سيطر الجيش واللجان الشعبية على مديريات مجزر ومدغل ورغوان. ومن الجهة الغربية، سيطروا على مديريات صرواح وبدبدة وحريب القراميش. ومن الجهة الجنوبية، سيطروا على ماهلية ورحبة وحريب والعبدية والجوبة وجبل مراد.
في المقابل، لم يتبقَّ لتحالف العدوان ومرتزقته سوى المدينة ومديرية مأرب الَّتي تعدّ بطبيعة الحال صحراء، نقصد “مديرية مأرب”، وهي تحتضن حقول النفط والغاز. وفي ظلّ اشتداد الخناق الميداني عليهم من الجهات الثلاث، ومن جهة الجوف وشبوة والبيضاء، فإنَّ مسألة تحرير هاتين المديريتين مرهون بالوقت، والوقت لم يعد في مصلحة التحالف وأدواته.