أهداف واشنطن المخفية…
جريدة البناء اللبنانية-
حسن حردان:
طرحت الحرب في أوكرانيا سؤالاً مهما حول الأهداف الأخرى المخفية (غير تلك التي تستهدف اضعاف الدور الروسي على الصعيد الدولي)، التي أرادت تحقيقها الولايات المتحدة الأميركية من هذه الحرب غير المباشرة ضد روسيا، وقيادة واشنطن لتحالف دولي عماده الدول الغربية لفرض العقوبات والحصار على روسيا، وتقديم الأسلحة الفتاكة والمساعدات المالية والإنسانية إلى أوكرانيا.
ما هي هذه الأهداف الأميركية.. وما الذي تحقق ولم يتحقق منها حتى الآن؟
الهدف الاول، منع التقارب الاوروبي الروسي من خلال العمل على دق إسفين في العلاقات بين موسكو والعواصم الأوروبية لا سيما تلك التي تربطها بها تعاملات تجارية وتعاون ومصالح اقتصادية واستثمارات، وفي المقدمة ألمانيا وفرنسا.. وبالتالي العمل على جعل أوروبا تتخلى عن استيراد النفط والغاز الروسيين وغير ذلك من المواد المهمة، ودفع أوروبا بما فيها ألمانيا إلى شراء الغاز الأميركي بعقود تصل إلى 25 عاما .. الأمر الذي إذا ما حصل سيسهم في تعزيز شبكة التبعية الأوروبية للولايات المتحدة.. التي سعت وتسعى إلى اخضاع أوروبا أكثر من ايّ مرحلة سابقة للهيمنة الأميركية… باعتبار ذلك المفتاح لإعادة تعويم هيمنة الولايات المتحدة دولياً ومحاصرة روسيا ومنعها من تحدي هذه الهيمنة…
الهدف الثاني، محاولة دفع الصين إلى تأييد العقوبات الغربية ضدّ روسيا، وإحداث شرخ في العلاقات الروسية الصينية، في سياق العمل على تحقيق الهدف الأميركي في تطويع وإخضاع البلدين اللذين يشكلان التحدي الأساسي لمنظومة الهيمنة الأميركية الاحادية على العالم.. ويسعيان إلى بناء نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب بيعيد عن الهيمنة.
ما الذي حققته واشنطن وما الذي فشلت فيه؟
على صعيد الهدف الأول، يبدو أنّ واشنطن قد نجحت في دفع أوروبا للسير في العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها ضدّ روسيا.. أما بالنسبة للنفط والغاز فإنّ العديد من الدول الاوروبية، التي تعتمد على استيراد هاتين المادتين من روسيا، ولا تستطيع إيجاد البدائل لهما في المديين القصير والمتوسط، فإنها وافقت على التدرج في خفض استيراد المادتين المذكورتين من روسيا، من خلال تنويع مشترياتها من الغاز من أميركا وقطر، وإيران بعد الإعلان عن إعادة إحياء الاتفاق النووي.. لكن الاستغناء نهائياً عن شراء الغاز من روسيا يتطلب عدة سنوات.. بغضّ النظر عن التكلفة المرتفعة التي تفوق كثيراً تكلفة شراء هذه المواد من روسيا.
أما على صعيد الهدف الثاني، فإنّ واشنطن وحلفاءها الأوروبيين فشلوا في التأثير على موقف الصين، رغم الجهود التي بذلها وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، والمجموعة الأوروبية تجاه بكين، التي أكدت على التمسك بعلاقاتها الاستراتيجية مع موسكو، وموقفها الذي يحمل حلف الناتو مسؤولية الازمة في أوكرانيا..
وقد جاءت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بكين واجتماعه مع نظيره الصيني وتأكيد الجانبين على العمل لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الصين وروسيا، قد جاءت بمثابة تتويجا لفشل الرهانات الغربية على إحداث شرخ في العلاقات الصينية الروسية.. بل اسهمت في تعزيز هذه العلاقات..
على انّ ما يزيد من المأزق والفشل الغربي قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرض بيع الغاز والنفط والمواد الأخرى التي تصدرها روسيا للدول الغربية غير الصديقة لروسيا، بالروبل، مما يوجه ضربة موجعة لخطط الغرب الهادفة من وراء العقوبات الاقتصادية، الى اضعاف قيمة العملة الروسية وبالتالي التأثير سلباً على القدرة الشرائية للمواطن الروسي ودفعه إلى الاحتجاج على سياسة الرئيس بوتين.. فقرار بوتين انعكس مباشر بتحسّن قيمة الروبل إلى ما كان عليه قبل الحرب في أوكرانيا، في حين ارتفع سعر الغاز الروسي بنسبة 30 بالمائة، هذا الى جانب انعكاس ذلك سلباً في الفترة المقبلة على الدولار، وهو ما اضطر الدول الأوروبية إلى التفاوض مع روسيا للبحث بطريقة التدرج في عملية الدفع بالروبل، بعد أن فشلت في محاولة دفع موسكو للتراجع عن قرارها.. وهذا يؤشر إلى أنّ أوروبا تدفع ثمن سيرها في العقوبات الأميركية ضدّ روسيا، وبالتالي فإنّ الأضرار تطال الجميع وليس فقط روسيا..
أنّ هذه النتائج تظهر بأنّ أميركا نجحت في تعزيز هيمنتها على أوروبا، وإثارة العداء بينها وبين روسيا وهو ما يشكل إحدى أهمّ الأهداف المخفية لحرب أميركا غير المباشر ضدّ روسيا والتي اتخذت من أوكرانيا مسرحاً لها.. لكن واشنطن فشلت في إحراج الصين واستمالتها ضدّ روسيا.. لأنّ الصين تدرك جيداً الفخ الأميركي من وراء ذلك.