أميركا وإيران و«ساحاتهما» في حربٍ لم تقع وسلام صعب … مسؤول إيراني بارز لـ «الراي»: سياسة الـ «يو – يو» لأوباما لا تبني الثقة بين واشنطن وطهران
قفزتْ العلاقة الأميركية – الايرانية الى صدارة الحدَث الدولي أخيراً، وهي الآن تحت المجهر في ضوء الماضي «الخشن» بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية والحاضر الذي يوحي بـ «ليونةٍ ما» قيد الاختبار المتبادَل، وسط معاينة حثيثة من اللاعبين الدوليين والاقليميين لما قد ينطوي عليه «كسْر الصمت» بين واشنطن وطهران.
لكن رغم ايجابية ما جرى في نيويورك يوم دخل الرئيس الايراني حسن روحاني مبنى مانهاتن من الباب العريض، فان ما قاله سيّد البيت الابيض باراك أوباما عندما استقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو استدعى رداً، ومن «العيار الثقيل» من سيّد ايران، المرشد الأعلى علي خامنئي… فما الذي حصل؟
مسؤول بارز في القيادة الايرانية كشف لـ «الراي» عن ان «الاتصالات الاميركية – الايرانية غير المباشرة لم تكن وليدة وصول روحاني الى الحكم. ففي الماضي القريب حاول رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان التنسيق بين ايران ومجموعة 1 + 5 وأميركا، لكن أوباما كان تصعيديا في تلويحه بالخيار العسكري والعقوبات، وفي الماضي الأقرب منه جاء السيد جيفري فيلتمان الى طهران معتمرا القبعة الزرقاء كممثل للأمين العام للأمم المتحدة من دون اغفاله الكلام عن النيات الصادقة للولايات المتحدة وحرْصها على فتح صفحة جديدة مع الجمهورية الاسلامية في ايران».
وأشار المسؤول الايراني، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، الى انه «مع اقتراب ذهاب الشيخ روحاني الى نيويورك، قررت القيادة الايرانية، وعلى رأسها المرشد، مبادلة الرغبة الاميركية بالانفتاح بالمقدار الضروري والحذر، انطلاقاً من تجربتنا مع الولايات المتحدة وعدم صدقيتها مع ايران كدولة ذات سيادة وغير تابعة لها كما هي حال معظم الدول المحيطة بنا».
ولفت المسؤول المعني بمجريات العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة الى ان «القرار في ايران كان يقضي بعدم عقد لقاء مع الرئيس الاميركي الا اذا أعلنت الولايات المتحدة رفع العقوبات وأقرّت بحق ايران بامتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، وتالياً التوقف عن تهديدنا. وانسجاماً مع هذا القرار رفض الشيخ روحاني لقاء الصدفة مع اوباما، او اللقاء على العشاء الذي يقيمه الرئيس الاميركي على شرف قادة الدول».
وتحدّث المسؤول الايراني عن ان «ما لم يتوقّعه الرئيس روحاني كان الاتصال الهاتفي من أوباما، وهو ما اعتبره الرئيس الايراني من ضمن الضوابط ما دام دون اللقاء وجهاً لوجه، ولذلك تعامل معه روحاني بايجابية، من دون ان يكون هذا الاجتهاد مرحَّباً به من المرشد، الذي بارك الانفتاح ضمن ضوابط، خصوصاً ان اوباما أثبت ان سياسته ما زالت استعمارية، وهو ما عكسته تهديداته بضرب ايران بعد لقائه نتنياهو في المكتب عينه الذي تحدّث منه وبودّ ظاهر مع الرئيس روحاني».
وسأل المسؤول الايراني في معرض تعقيبه على هذه المفارقات: «كيف يمكن للرئيس أوباما الحديث عن رغبة في عودة العلاقة الى طبيعتها مع ايران في مدة وجيزة ويطلق التهديدات ضدّنا في آن معاً؟ كيف يمكن لأوباما مصافحة الرئيس روحاني بيد وأخذ بندقيته في اليد الاخرى؟… ان ما جرى يفسر موقف السيد خامنئي عندما تحدّث عن ان على الذين تعوّدوا اطلاق التهديدات الكلامية ضد ايران، ان يدركوا ان ردّنا على ايّ عدوان على الشعب الايراني سيكون قاسياً».
ازاء هذا «المدّ والجزر» في الكلام ثمة سؤال طرح نفسه وهو: ألا يوجد في الادارة الأميركية وحول المكتب البيضاوي في البيت الابيض مَن يشرح لأوباما حساسية التصريحات المدججة بالتهديد لأن ايران ستأخذها بحذافيرها وتبني خياراتها تبعاً لها؟!
… «ان اميركا تتعامل مع السياسة الدولية بطريقة مرنة وقاسية في الوقت عينه». هذا ما قاله ديبلوماسي غربي معني بملف العلاقة الاميركية – الايرانية لـ «الراي»، مشيراً الى ان «لدى ايران حساسية مفرطة من التصريحات المباشرة من دون النظر الى الديبلوماسية الاميركية كباقة شاملة ومتكاملة»، كاشفاً عن ان «رئيس الوزراء الاسرائيلي سمع من أوباما كلاماً واضحاً مفاده ان الولايات المتحدة لا تنوي دعم ايّ عمل عسكري في المنطقة، وهي التي رفضتْ منذ مدة طويلة محاولات اسرائيل لجرّها الى ضرْب المفاعل النووي الايراني وامتنعت ايضاً عن ضرْب سورية تفادياً لجرّ المنطقة الى حرب مختلفة الاتجاهات».
وأوضح الديبلوماسي الغربي ان «واشنطن تدرك ان في ايران صقوراً كما في الولايات المتحدة صقور، وتالياً اذا كانت التصريحات من هنا او التصريحات من هناك، تهدف الى اشباع هؤلاء فلا بأس. المهم ان الاتصال الاول حصل وأعتقد ان الغرب سيمضي قدماً في هذا الاتجاه ما دامت ايران مستعدة، وكما قالت، لفتح مفاعلها النووي امام الرقابة الدولية، ولحوار متواصل ومنتج في الملف النووي اولاً، على ان تتبعه الملفات الاخرى».
هذه «البراغماتية» في مقاربة الديبلوماسي الغربي لا تشبه الأصداء القاسية التي أحدثتها في ايران تصريحات أوباما، والتي شبّهها احد المراقبين بـ «الاكثر تدميراً مما أحدثه هجوم 11 سبتمبر في نيويورك»، لافتاً الى ما قاله الاميرال الايراني علي شمخاني (عين حديثاً في مجلس الامن القومي) في احدى مقابلاته النادرة حين سأل «هل تهين أحداً ما وتدّعي انك صديقه؟ وهل يمكن ان يوجّه احد مسدسه الى آخر ويدّعي انه صديقه؟».
وفيما بدا ان نتنياهو نجح في زيارته الأخيرة لواشنطن في ضرب ملامح التقارب الايجابي بين طهران وواشنطن، اكد المصدر الايراني المسؤول لـ «الراي» ان «اوباما فوّت فرصة تاريخية على التقارب الايراني – الاميركي، فلا يعقل ان يتذبذب موقف الرئيس الاميركي 180 درجة كلما زاره مسؤول له موقف سلبي من ايران»، مضيفاً: «لا تُبنى الثقة المتزعزعة اصلاً على طريقة لعبة الـ يو – يو الاميركية»، في اشارة الى التقلب السريع كما يحدث في لعبة الـ «يو – يو».