أميركا وإعلام مبرمج لضرب الصيغة اللبنانية
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
رغم ما أحاط ويحيط ببعض مواد وتطبيقات في ما عرف بــــ «وثيقة الوفاق الوطني» التي أقرّت في الطائف عام 1989 من اعتراضات، فقد توصّل اللبنانيون الى خلاصة تقول انّ هذا النوع من الوثائق والتفاهمات هو الترجمة العملية والفعلية للمحافظة على الكيان اللبناني في وجوده وغناه وتنوّعه الثقافي، وهم الذين لا يختلفون في عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعيَّة، رغم وجود تمايز في ممارسة هذه العادات والتَّقاليد بين المناطق والطوائف اللبنانية فهي ليست اختلافات في الأصل أو الجوهر، وإنْ تنوّعت في محطَّات التَّعبير عنها فلا يتحوّل التنوّع إلى اختلاف، وهذا ما يفرض عدداً من الاعتبارات الحضارية التي عليها أن ترعاه وتساهم في تنميته ضمن المسار الصحيح جميع مكونات الشعب اللبناني ومؤسساته وقواه الحية حتى لا ينفذ المتربّصون شراً بالكيان اللبناني من خلال التنوع الثقافي لضرب الوحدة المجتمعية، وتالياً الوحدة الوطنية، وهذا ما يمكن تلمّسه من خلال سياق تاريخي متواصل أخذ أوجهاً متنوعة الغاية منه اعتبار الكيان اللبناني سواء ببقائه او إلغائه، جزءاً من بازارات ومشاريع ترسم للمنطقة البارز فيها تنوع الأساليب في سبيل تحقيق الهدف ويتجلى ذلك في أربعة شواهد:
1 ـ كيسنجر… تهجير المسيحيين وإلغاء التنوع الثقافي:
أوّل من عمل على تنفيذ مهمة ضرب الصيغة اللبنانية كان وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر الذي وضع بحسب الرئيس الراحل سليمان فرنجية سيناريو لتهجير المسيحين من لبنان ممهّداً لذلك بوضعه خطة منذ العام 1974 لتفجير الأحداث في لبنان، وقد عرضهاً عليه شخصيا (كيسنجر) ثم أكدها الموفد الأميركي دين براون الذي أشار الى جهوزية بلاده في تقديم وسائل النقل اللازمة التي تمكن مسيحيّي لبنان من الهجرة. والهدف الأميركي الكبير من وراء ذلك بحسب الرئيس فرنجية توطين الفلسطينيين في الأراضي اللبنانية وإلغاء التنوع الذي يتميّز به الكيان اللبناني.
2 ـ عدوان تموز2006 وتهجير الشيعة:
أقرّ إيهود أولمرت رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي أثناء حرب تموز 2006 ووزير حربه ورئيس أركان جيشه، أنّ جذور الحرب في بُعدها الخفي تنفيذ التغيير الديموغرافي بالكامل في جنوب لبنان وإلغاء أيّ وجود للطائفة الشيعية، وأنهم كانوا يعتزمون ان يرافق الاجتياح انتهاج سياسة الأرض المحروقة تأكيداً لإفراغه من أهله وهذا يدخل في إطار ضرب الصيغة اللبنانية القائمة على التنوع الثقافي، إلا أنّ إرادة القوة والاقتدار التي تمتلكها المقاومة مدعومة ببيئة وفية وحاضنة كانت وكلمتها ويدها في المرصاد.
3 ـ داعش والنصرة وإلغاء الكيان اللبناني:
الحصول على منطقة آمنة وإعلان الإمارة خطر محدق على الكيان اللبناني من أساسه، وهذا ما كشف عنه قائد الجيش آنذاك العماد جان قهوجي الذي أفاد أنه كان يجري العمل من قبل جبهة النصرة وداعش للسيطرة على شريط جبلي يمتدّ الى الساحل عند البحر، ومن جرود البقاع الأوسط وكفرزبد وصولاً الى شبعا بالتعاون مع الاستخبارات «الاسرائيلية» تمهيداً لوضع أمير عليها. إلا أن ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» استطاعت إسقاط هذا المشروع والمحافظة على الكيان اللبناني وتنوّعه.
4 ـ دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني:
في إطار استكمال المشروع الأميركي المزمن الرامي الى إلغاء صيغة التنوع الثقافي اللبناني بداية بتهجير أهله لا سيما المسيحيين وتوطين الفلسطينيين مكانهم، الى السعى الحالي لدمج النازحين السوريين تحت ذرائع واهية اعتبرها الرئيس ميشال عون «جريمة» تُرتكب بحق لبنان، بينما تظهر كلّ الوقائع أنّ الهدف من الدمج تغيير الديمغرافيا اللبنانية التي يسقط عبرها تنوع لبنان الثقافي خدمة لأهداف يستفيد منها الكيان الصهيوني.
ـ استطاعت القوة الحيّة في لبنان إسقاط كلّ هذه المشاريع السالفة الذكر مع بقاء أصل المشروع الإلغائي للكيان اللبناني بصيغته وتنوعة قائماً في أروقة من اعتادوا التلاعب في خرائط ومصائر الشعوب. وفي هذا الإطار السؤال الذي يطرح نفسه هل ما تنتهجه بعض محطات التلفزة والعديد من الشخصيات من التعرّض للعادات والتقاليد فضلاً عن المقدسات لجهة محدّدة متخذين من برامج هزلية ساخرة ستاراً وعنواناً يهدف الى تمرير شكل جديد من أشكال ضرب الصيغة اللبنانية وتنوعها الثقافي وإعادة إشعال الغرائز الطائفية والمناطقية مما يسهّل نجاح مشروع إسقاط الوحدة المجتمعية اللبنانية التي باتت نموذجاً يُحتذى لكلّ أحرار العالم بعد نجاحها في إسقاط المشاريع الأميركية سواء منها الاحتلال «الاسرائيلي» أم مشاريع الكانتونات وتفتيت الكيانات.
سؤال مشروع متداول لدى العديد من القوى والنخب منهم من تريّث في الاجابة ومنهم من أكد انّ السلوك الإعلامي المبرمج والذي يتعرّض للمقدسات والعادات والتقاليد الاجتماعية إنما يهدف الى استكمال ما فشل به الآخرون من إسقاط للصيغة والتنوّع اللبناني والوحدة المجتمعية فيه تمهيداً لإلغائها وتغيير ديموغرافية لبنان ودوره الوظيفي ودائماً خدمة للكيان الصهيوني الغاصب.