أمن المعلومات الدولي.. من الفوضى إلى النظام والتعاون
صحيفة الوطن السورية-
أندريه كروتسكي:
منذ 25 عاما، في وقت التطور السريع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، توقعت روسيا أن يصبح الاستخدام الآمن لهذه التقنيات جزءاً لا يتجزأ من جدول الأعمال السياسي الدولي للقرن الحادي والعشرين.
في عام 1998، قدّم بلدنا قراراً للجمعية العامة للأمم المتحدة يلفت الانتباه فيه إلى مخاطر استخدام هذه التقنيات لأغراض غير قانونية، وعلى مدى العقد التالي كانت شواغلنا مشتركة من جميع الدول دون أي استثناء، ودعمت الدعوة إلى منع الصراعات العالمية في مجال المعلومات، ولكن بعد ذلك بدأت الدول الغربية نشاطاتها في تجربة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأغراض السياسية والعسكرية، مستفيدة من تفوقها التكنولوجي في هذا المجال في ذلك الوقت.
ولسوء الحظ ومع مرور الوقت، أصبح هذا الاستخدام اتجاها وشرعت الولايات المتحدة، المتشبثة بشدة بهيمنتها العالمية، المراوغة في طريق فرض ديكتاتورية استعمارية رقمية جديدة، كما أعلن، فإن الهدف الرئيسي هو مواجهة العوامل المستقلة، وخاصة روسيا والصين.
تُفرض اليوم عقوبات على البلدان «غير المرغوب فيها»، وتُبذل محاولات لـ«تقويض» القدرات في المجالات الأكثر تقدماً كالذكاء الاصطناعي والإنترنت عالي السرعة والحوسبة الكمومية، وتم حظر المصادر المتوفرة عبر الإنترنت التي تبث وجهة نظر بديلة عن الغرب، كذلك هناك محاولات صارخة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول من خلال النظام العالمي للتجسس واعتراض البيانات الشخصية الذي أنشأته وكالات الاستخبارات الأميركية كما أخبر إدوارد سنودن العالم.
وفي محاولة للتغطية على أفعالهم المدمرة في مجال المعلومات، تدفع واشنطن وحلفاؤها بقضية «المتسللين الروس» إلى الأمام، وفي الوقت نفسه تعمل دول الـ«ناتو» بقوة على بناء قدراتها الهجومية وممارسة أساليب الحرب باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ليس من المبالغة القول إنه منذ أن شنت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، شنت الدول الغربية حملة واسعة النطاق ضد بلدنا، وأعطيت أوكرانيا دور أرض الاختبار في هذا السيناريو، وليس من قبيل المصادفة أن كييف شاركت في أنشطة مركز التميز للدفاع الإلكتروني التعاوني التابع لحلف الـ«ناتو»، وبعبارة أخرى، تم إدراجه في «الناتو الإلكتروني».
في الوقت نفسه، لا يستطيع القادة الغربيون فهم حقيقة أن ما يسمى بـ«جيش تكنولوجيا المعلومات في أوكرانيا»، الذي تم إنشاؤه لمساعدتهم، وهو في الواقع مجموعة من العصابات الإجرامية، سيبدأ، ووفقًا للمعلومات المتوافرة لدينا، أو قد بدأ بالفعل، بسرقة مواطني دول «العالم المتحضر» في المستقبل.
من الواضح أن الولايات المتحدة وشركاءها من ذوي التفكير المماثل يحاولون إعادة تشكيل أجندة منصات التفاوض الدولية المتخصصة بما يتماشى مع سياستهم العدوانية في مجال المعلومات، وبالتحديد يقومون بفرض مفهوم قابلية تطبيق بعض أحكام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي، وبالتالي يحاولون إضفاء الشرعية على مجال عسكرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهناك نية واضحة لإدخال ممارسة إسناد المسؤولية عن الأفعال الكيدية في فضاء المعلومات إلى أي دولة، ولا سيما تلك التي تدافع عن سيادتها الرقمية، بمعنى آخر، أي وسيلة لإنهاء المواجهة العالمية التي تسعى إليها الدول الغربية.
نحن ندافع عن مفهوم إنشاء نظام عادل لأمن المعلومات الدولي يقوم على بناء الثقة والتعاون ومنع النزاعات وسباق التسلح ووضع إطار قانوني ينظم السلوك المسؤول للدول، وفي رأينا من شأن معاهدة تحت رعاية الأمم المتحدة أن تضع حداً لإفلات «الغرب المتوحش» من العقاب في مجال المعلومات، ونحن نعمل بنشاط على تعزيز المبادرات المناظرة بصورة مباشرة داخل فريق الأمم المتحدة العامل المفتوح العضوية «OEWG» بشأن أمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدامها.
يؤيد شركاؤنا بما في ذلك الأغلبية العظمى من البلدان النامية هذا النهج بالإجماع، على حين تشير الدول الغربية إلى أن فكرة الاتفاقيات العالمية الملزمة قانونيا هي فكرة «خيالية» أو «طوباوية»، وهم قالوا الشيء نفسه قبل 10 سنوات، عندما دعت روسيا إلى معاهدة عالمية ضد جرائم الإنترنت لتحل محل اتفاقية بودابست التي كانت معيبة وعفا عليها الزمن، ولكن مع مرور الوقت، سادت الفطرة السليمة حيث تعمل لجنة الأمم المتحدة المخصصة الآن على مشروع نص الاتفاقية الدولية بشأن مكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية، وبالطبع، لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه، لكن الشيء المهم هو أن الكثير من العمل قد تم إنجازه بالفعل.
هناك جانب منفصل وهو ضمان الوصول العادل والآمن إلى الإنترنت لجميع الدول ومواطنيها، فعلى الرغم من أن معظم السياسيين والمستخدمين العاديين يعتبرون الإنترنت الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية على أنه أحد الأصول العالمية، إلا أن الحقيقة ليست مبهجة، حيث تعتقد شركات تكنولوجيا المعلومات الرائدة التي تقف وراءها الحكومات الغربية أن لديهم الحق في فرض قواعدهم الخاصة، ونتيجة لذلك تواجه العديد من البلدان سياسات تمييزية، حيث تم حظر حسابات مواطنيها أو حتى تقييد الوصول إليها من أراضي البلدان «غير المرغوب فيها»، وهذه التصرفات من قبل الإدارة الأميركية أدت في النهاية إلى تجزئة الإنترنت وتقسيمه إلى «أصدقاء» و«أعداء».
من الواضح أن هذه المشكلة يجب حلها، والنظام المبني على مبدأ «حكم القوة» محكوم عليه بالانهيار، وبالتالي فإن من مصلحة معظم الدول بقاء الإنترنت كمنصة يمكن الوصول إليها ومنصة موثوقة للاتصال والتعليم والأعمال، وبأن أمن قطاعاتها الوطنية مضمون.
في هذا السياق، من الأهمية بمكان أن يحدد المجتمع الدولي معايير تدويل إدارة الإنترنت، وعند القيام بذلك، ينبغي إجراء المناقشات على قدم المساواة داخل الأمم المتحدة والمنصات المتخصصة، بما في ذلك الاتحاد الدولي للاتصالات ومنتدى إدارة الإنترنت.
لا شك أن تطوير وظهور التقنيات المتقدمة مرتبط بمخاطر استخدامها لأغراض ضارة، ومع ذلك وفي المرحلة الحالية المدفوعة بزيادة إمكانات الصراع في جميع أنحاء العالم، يجب على الإنسانية البحث عن طرق لعدم تحويل البيئة الرقمية إلى مسرح حرب، فإذا أصبح مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر لدينا ساحة للمواجهة الفوضوية بين الدول، فلن يكون هناك فائزون في النهاية، سيخسر الجميع وقبل كل شيء، ستضيع فرص التعاون والتنمية السلمية.