ألمانيا عالقة حتى لو غادرت ميركل
صحيفة البعث السورية-
ترجمة: عائدة أسعد:
أدلى الناخبون الألمان بأصواتهم وكانت النتيجة مفاجئة، بحيث لم يحصل أي حزب على أكثر من 26 في المائة من الأصوات، لذلك ربما تستغرق المفاوضات الائتلافية أسابيع أو شهوراً لتشكيل الحكومة القادمة، أي أن أنجيلا ميركل ستواصل قيادة البلاد.
لقد كان حزب الخضر والاتحاد الديمقراطي المسيحي على مدى فترات طويلة من الحملة في المقدّمة، لكن حملتهما تعثرت لأن مرشحيهما فشلا في إقناع الناخبين بأنهم خلفاء يستحقون المنصب. وحتى الحزب الاشتراكي الديمقراطي برئاسة أولاف شولتز الذي حظي بمرتبة عالية من احترام الناخبين أيضاً تلاشى ولم يكن هناك نصر حاسم.
لقد كانت الانتخابات فرصة للبلاد لرسم مسار أفضل للقرن الحادي والعشرين، ولكن تبدو ألمانيا عالقة حتى لو غادرت ميركل، غير أن المرشحين تنافسوا على تقليد أسلوب ميركل السياسي والذي من خلاله حققت أربعة انتصارات انتخابية متتالية، فأنالينا بربوك زعيمة حزب الخضر التي حاولت ترسيخ صورة تشبه ميركل من الصرامة والخبرة أحبطتها فضيحة الانتحال، وربما بسبب نفور الناخبين من شخص لا يملك خبرة حكومية، وانتهت حملتها بأخذ حزبها إلى 14 في المائة فقط من الأصوات.
وبالمثل حاول أرمين لاشيت خليفة ميركل كرئيس للديمقراطيين المسيحيين تصوير هالة من الكفاءة والفعالية، لكن هذه الجهود قوّضت بسبب حملة غير منتظمة مليئة بالأخطاء تمّ تلخيصها بمزاحه أثناء زيارته لضحايا الفيضانات في الصيف، وبالتالي قيادة الحزب إلى نسبة 24 في المائة.
وأما شولز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي فقد بذل قصارى جهده لربط نفسه بالمستشارة المنتهية ولايتها، وعرض نفسه بدلاً من لاشيت كنائب للمستشار ووزير المالية في إدارة ميركل، وتبنّى علامة ميركل التجارية مثلث القوة -أكثر إيماءات اليد شهرة في العالم- لكن نسبة الـ26 في المائة التي فاز بها حزبه لا تكفي لطمأنة شولتز لمنصب المستشار.
إن التقارب بين المرشحين يتجاوز الأسلوب السياسي لـ ميركل بعد 16 عاماً، وما حققته من استقرار للبلاد اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً. وبالنسبة لكثير من مواطنيها وخاصة كبار السن تحظى سياساتها بشعبية كبيرة، فقد قادت دفة السياسة الألمانية وسياسة الاتحاد الأوروبي بنجاح خلال أكثر من عاصفة سياسية من أزمة منطقة اليورو، مروراً بقضية المهاجرين وصعود الشعبوية إلى وباء كورونا، ونجحت في تخطي كثير من الأزمات التي كان من الممكن أن تطيح بها، وهي بنظر مؤيديها تجسّد صفات الاعتدال والثبات والواقعية البراغماتية.
لكن منتقديها في أوساط الشباب يشيرون إلى أنها تفتقد النظرة الثاقبة للمستقبل، وتميل إلى الحفاظ على الوضع القائم، ويأخذون عليها موقفها اللامبالي من قضايا البيئة، وتفضيلها حماية المصالح الألمانية على حساب قيم الديمقراطية والعدالة والعلاقات الوطيدة مع زعماء يمينيين كالمجر وبولندا، إضافة إلى أن السخط الاجتماعي آخذ في الازدياد من تجدّد الإضرابات على مدى السنوات العشر الماضية، الأمر الذي يتطلّب تغييرات شاملة لمعالجة جذور الاضطراب جراء عودة مصطلح المجتمع الطبقي إلى النقاش العام وانتشار الغضب لدعم البديل اليميني المتطرف لألمانيا ونظريات المؤامرة المناهضة لتلقي اللقاح في جميع أنحاء المجتمع، ومن الواضح أن أياً من الأحزاب الرئيسية غير قادر على تولي المهمة.
من المرجّح أن تتشكل الحكومة الألمانية من ثلاثة أحزاب في ائتلاف بقيادة إما الديمقراطيين المسيحيين، أو الاشتراكيين الديمقراطيين الذين سيسعون لتشكيل حكومة دون الأخرى والتي ستضمّ حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، ولكن من غير المرجح اتباع نهج طموح يضاهي نهج ميركل. ومما لا شك فيه أنه سيكون على خليفتها ملء الفراغ الذي تركته وكيف سيتعامل مع إرثها، وهل سيواصل السير على خطاها وقيادة ألمانيا بحذر شديد، أم أنه سيكتب فصلاً جديداً في تاريخ البلاد؟.