أصمت، فالدولة نائمة…
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن ديب:
عزيزي المواطن …
تحية الفقر المرصع بالصور الانتخابية والشعارات السياسية، وبالتصريحات والخطابات، وبكل معالم دولتنا البهية…
تحية الجوع، صديق الدرب الذي أمسى في حياتك رمزاً للماضي والحاضر والمستقبل…
تحية الصمت، الذي أدمنته والبؤس الذي بت له أخاً وشقيقا…
بعد التحية عزيزي المواطن…
هو لبنان، وفي لبنان عليك أن تكون مواطناً صالحاً، والمواطن الصالح هو من يحيا بصم، فإن جاع يجوع بصمت، وإن تألم يتألم بصمت، وإن مات أيضاً عليه أن يموت بصمت.
فالصمت صفة لا بد لها من أن تلازمك في حياتك اليومية، لا لشيء، وإنما خوفاً من أن توقظ الدولة، فدولتنا نائمة في سبات عميق.
لذلك عزيزي المواطن، أصمت، فالدولة نائمة.
نائمة هي منذ ولادتها، وكأنها خرجت من رحم الغيبوبة. هي هكذا، تتغير أشكالها وتتبدل الأسماء في تركيبتها. ولكنها في المضمون، هي كما هي.
هكذا هي دولتنا، لقد جعلها النوم غائبة حتى في حضورها، ذابلة حتى في نضارتها، بعيدة عنك وعن همومك ومشاكلك، وعن كل طموحاتك وآمالك وأحلامك بأن تحيا بوطنٍ كريمٍ يضمن لك حياة كريمة.
عزيزي المواطن، أصمت…
وأنت في طريقك إلى عملك (إن وجدت عملاً كريماً) فاشكر الدولة واصمت…
إن رأيت رغيف الخبز ولم تعرفه ـ لأنه قابل للتغير في الطعم والحجم والسعر بين ليلة وضحاها ـ فاشترِه واصمت.
إن وقفت أمام صيدلية ترتجي علبة دواء لطفلك المريض ولا تملك ثمنها، فتحمل ألم طفلك واصمت…
إن اضطررت للموت على باب إحدى المستشفيات لأنك عاجزاً عن دفع تأمين الطبابة، فاستقبل الموت بروح رياضية واصمت…
إذا ما طرد أولادك من مدارسهم لعجزك عن تسديد أقساطهم، فتحمل تشردهم بكل هدوء، واصمت…
اصمت وأنت تنتقل بين الداوئر الرسمية الحكومية لتنهي معاملة تحتاج عملياً لتوقيع بسيط ولكن فعلياً عليك أن تنتظر لأيام وأيام وأيام، فكذلك هم موظفوا الدولة، كدولتنا، نيام …
اصمت وأنت تدفع فاتورة الكهرباء التي بتّ تحلف بغربتها، ادفع فالدولة وجيبك صديقان حميمان، فما في جيبك هو في جيب الدولة وما في جيب الدولة هو في جيبها أيضاً…
وأنت تنتظر البرد القادم مع قدوم الشتاء، محتاراً أيهما أغلى، أحياتك أم الوقود، فاصمت، فأنت في نظر الدولة عدد وهمي لا محل لك من الإعراب في قواعد الوطن.
أصمت وأنت تمشي في طابور طويل لا نهاية له في أروقة الضمان الاجتماعي. أصمت فإنك تحيا في وطن لا ضمان فيه للمجتمع…
أصمت إن تحدث وزير أو نائب بلسان غير لسانك وحال غير حالك، أصمت ولتكن يداك جاهزتين لكل أشكال التصفيق، وليكن صمتك هتاف الحياة لساسة الوطن…
أصمت وانت تشاهد القنوات التلفزيونية، تابعها بكل تركيز، وتقبل منها ما تتشدق به من مواضيع تشبه كل شيء إلا الوطن.
أصمت، فأنت لا تدري أين هي مصلحة الوطن. وحدهم الساسة هم من يقدّرون ويدركون ويخططون ويتاجرون. اصمت ولا تدلِ برأيك، يمكنك أن تدلي برأسك لكي يكون مطية لسياسي غبي، ولكن رأيك ضعه في صندوق أسود وارمه في بحار الخوف، فلا حاجة لهم به.
أصمت، فالدولة نائمة…
ولا تريد منا أن نزعجها…
فيروى أنه في وطني قد نطق أحدهم فأيقظ دولتنا… ومن يومها لم نعد نعرف عنه شيئاً…
ويروى أيضاً أن أحدهم قد سرق رغيفاً في وطني، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة…
ويروى بأن أحدهم قد سرق وطني بأكمله، فحكم عليه بان يصبح مسؤولاً لقضاء الحاجات…
أصمت… مطلوب منك أن تصمت، كي تبقى الدولة نائمة، لا تصحو الا في الحانات…
مطلوب منك أن تصمت، فوطننا أصبح كالامسِ، لا يصلح إلا للأموات….
أصمت…
مجبور أنت بأن تصمت، قد حكم عليك بأن تصمت، قد حكم عليك بأن تبقى سجين الخلافات والنزاعات.. التي احترفوها وأتقنوها وافتعلوها، وفي كل مرة ـ وحفظاً لماء الوجه ـ كانوا يسمونها حرباً أهلية… وما أبعد حروبهم عن الحرب الأهلية…
أصمت… معتاد أنت أن تصمت…
ودولتك اعتادت أيضاً منك أن تلتزم الصمت…
اعتادت منك أن ترضى بغبي يرث سياسته من أغبى منه وراثياً، وعميل يرث عمالته كي لا يتغير شيئ جينياً…
أصمت، مطلوب منك بأن تصمت…
أصمت لا تتكلم أبداً… لا ترفع صوتك أبداً…
عزيزي المواطن أصمت… لا تكن ملعوناً…
فدولتنا فتنة، والفتنة نائمة.. لعن الله من أيقظها…
أصمت لا تزعجها… فالدولة نائمة…