أزمة مصر وتبدّل المشهد الإقليمي: التقاء سعودي ـ إماراتي ـ إسرائيلي
صحيقة السفير اللبنانية:
لا تزال الصحف الأميركية توجه الانتقاد تلو الآخر لما أسماه عدد من المحللين الفشل الأميركي في التعاطي مع الأحداث المصرية الأخيرة. إلى جانب ذلك، فإنّ الأضواء بدأت تلقى في الصحف الأميركية بشكل أكبر على تقارب المصالح الثلاثي، بين السعودية والإمارات وإسرائيل بهدف دعم موقف الجيش المصري ومحاولة احتواء الضغوطات الغربية المفروضة عليه، ما تُرجم على أرض الواقع إضعافاً للنفوذ الأميركي.
وفي هذا الصدد، نقل مقال نشرته صحيفة «وال ستريت جورنال»، لثلاثة كتاب من واشنطن والرياض وتل ابيب، عن مسؤولين عرب وأميركيين قولهم إنّ «الجهود المتوازية التي تقوم بها إسرائيل والسعودية والإمارات قد أضعفت نفوذ الولايات المتحدة تجاه القيادة العسكرية في مصر».
وبحسب الديبلوماسيين، يريد السعوديون والإماراتيون التوصل إلى صفقة تطيح بـ«الإخوان المسلمين» من جهة، وتقلل من تأثير حلفائهم في المنطقة، أي قطر وتركيا.
أما إسرائيل فتريد حكومة مصرية تحارب الإسلاميين بشدة وتحمي الحدود. ويرى القادة الإسرائيليون في الإطاحة بمرسي «فرصة لضرب الإسلام السياسي في المنطقة كافة»، وفقاً لرئيس «مركز إسرائيل فلسطين للأبحاث والمعلومات» غيرشون باسكين.
ويشير المقال إلى أنّ إسرائيل لا تنسق بشكل مباشر مع الدول الخليجية، إلا أن السعودية والإمارات تتعاونان بشكل جدي، بحسب مسؤولين في المنطقة.
يذكر أن قبل تدخل الجيش في الثالث من تموز، حاول وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل ومسؤولون آخرون إقناع السيسي بمنح مرسي المزيد من الوقت، إلا أن السعودية والإمارات قللتا من أهمية العرض، ما شجع الجنرالات على عدم التراجع.
إلى ذلك، حاول وزير الخارجية الأميركي جون كيري الجمع بين موقف السعودية والإمارات والموقف الأميركي قبل وبعد الإطاحة بمرسي، إلا أنه، وفقاً لمسؤول في الإدارة الأميركية، «بدا واضحاً أنه كان لديهما قرارات محددة بشأن سياساتهما».
أما رسالة السعودية والإمارات إلى الجنرالات فكانت الآتية «اذهبوا واقبضوا عليهم»، وفعلاً دعموا ذلك بمليارات الدولارات، يقول مسؤول في الإدارة الأميركية.
ويعتبر مسؤولون أميركيون أن إسرائيل ليست حاسمة في موقفها حتى الآن، فهي متخوفة من ردة فعل الإسلاميين على أمنها، ولكنها لا زالت تضغط على واشنطن لعدم قطع المساعدات العسكرية، على اعتبار أن ذلك سيؤثر على اتفاقية السلام. ولكن من المتوقع ان تعلق الولايات المتحدة إرسال شحنة طوافات «أباتشي» إلى مصر الأسبوع الحالي، بحسب مسؤولين. إلا أن معدات أخرى ستصل إلى الجيش المصري.
من جانبها، رأت صحيفة «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها، أمس الأول، أنّ عدداً من قادة العالم والخبراء في الشأن الدولي رضخوا لمنطق ما يقوم به جنرالات مصر القاضي بأنّ «دعم الجيش المصري هو الطريق الوحيد لإعادة الاستقرار .. وللحد من الاضطرابات على نطاق أوسع».
ولفتت الصحيفة إلى أنّ الجنرالات المصريين وللإشارة فقط فإنّ استخدام عبارة جنرالات هي محاولة لمحاكاة ما جرى في الجزائر في بداية العقد الأخير من القرن الماضي يروجون لفكرة أنّ «العالم عليه أن يختار بينهم وبين انعدام الاستقرار»، مضيفة في الوقت ذاته أنّ إسرائيل تعمل «بقوة» على إقناع الولايات المتحدة وأوروبا لدعم الجيش.
في مقال آخر، نشرته الصحيفة، اعتبر الصحافي روجر كوهين أنّ ما يحصل في مصر «يرقى (بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا) إلى فشل إستراتيجي ضخم»، مضيفاً أنّ «الرئيس (الأميركي باراك) اوباما، الذي بدأ رئاسته بمحاولة بناء الجسور مع العالم العربي والإسلامي من خلال إلقائه خطاباً في القاهرة، يشهد (اليوم) على أعظم فشل له .. إنّ مصر ما بعد (ميدان) التحرير تظهر الآن كنصب يرمز إلى تراجع الدور الأميركي في العالم، حتى في بلد يحصل على 1,5 مليار دولار مساعدات سنوية».
وفي الصحيفة ذاتها، أشار الكاتب رود نوردلاند إلى أن في إطار الحملة الغربية على دور الجيش المصري، فإنّ «السعودية برزت كداعم رئيسي للجيش .. وكداعمة بشكل صريح لحملة القمع العنيفة بوجه الإسلاميين، مستخدمة ثروتها النفطية وقواها الديبلوماسية للمساعدة في تحدي الضغوط الغربية المتصاعدة لإنهاء سفك الدماء والبحث عن حل سياسي»، مضيفاً أنّ «السعودية ليست وحيدة في موقفها هذا. حليفان آخران للولايات المتحدة، إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، ساندا الجيش المصري وسعيا إلى احتواء الدعوات الغربية».
ويضيف أنه بالنظر إلى تفكير الأوروبيين والأميركيين في قطع المساعدات النقدية عن مصر، فإنّ السعودية وضعت نفسها وحلفاءها في الموقف الأمامي لتغطية أي خفض في المساعدات «ما يعني تحييد، بشكل فعال، النفوذ الرئيسي للغرب في القاهرة».
ويرى أنّ المواقف المتتابعة للسلطات السعودية، وعلى رأسها مواقف الملك عبد الله ووزير الخارجية سعود الفيصل، «لم تقوّض فقط الجهود الغربية الضاغطة للوصول إلى اتفاق، لكنها كشفت تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة في العالم العربي»، مضيفاً أنّ حجم الدعم المادي الذي قدمته الدول الخليجية، حوالي 12 مليار دولار، جعل من «المساعدات الأميركية المخصصة» تبدو رمزية.
ويبرز الكاتب عدداً من الأسباب التي أدت بالسعودية إلى أخذ هذا الموقف، وأهمها: الخوف من نجاح «الاخوان المسلمين» في مصر، وعدم الرضا القديم على سقوط الرئيس السابق حسني مبارك، إضافة إلى أنه يبدو أنّهم يرتاحون لشخص قائد الجيش عبد الفتاح السيسي نظراً إلى أنهم على معرفة به كونه خدم في وقت سابق كملحق عسكري لمصر في الرياض.
من جانبها، قرأت صحيفة «لوموند» الفرنسية المستجدات من زاوية مغايرة. ففي تقرير أعده الصحافي كريستوف عياد، رأت الصحيفة أنّ «الانقلاب في مصر في 3 تموز الماضي، بل والقمع الدموي للتجمعات الموالية لمرسي، أديا إلى إعادة رسم المعطيات الديبلوماسية في الشرق الأوسط، وأنّ قطر، التي استضافت ودعمت ومولت مختلف فرق الاخوان المسلمين (في مختلف أنحاء العالم العربي)، كانت الخاسر الأبرز»، مضيفة أنّ «قطر المنتَقَدة من كل الجهات لعدوانيتها ولعمل قناة الجزيرة المتحيز، قطر التي كانت قبل عام تنظر إلى نفسها على أنها منارة جديدة في المنطقة … تشهد تراجعاً في كل مكان».
ويعتبر التقرير أنّ «رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي يبرز نفسه كنموذج لنجاح الإسلام السياسي في السلطة، هو خاسر كبير آخر»، مضيفاً أنّ «(حركة) حماس، التي خسرت حليفاً ذا شأن، هي معزولة».