أزمة الدواء: هذه انعكاساتها على المواطن اللبناني
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
لا يكاد يمر يوم واحد في لبنان دون مشكلة جديدة أو متجددة تثقل كاهل المواطنين في شتى المجالات المعيشية التي تهدد أمنهم الحياتي والإجتماعي، والتي تنذر بما هو قادم من كوارث وأزمات قد تدفع البلد إلى مخاطر وجودية لم يشهد لها مثيل منذ تأسيسه.
يعد القطاع الصحي لأي بلد أبرز القطاعات الضرورية لتحصين المجتمع وتأمين الطمأنينة لساكنيه من أجل زيادة معدلات التنمية البشرية من جهة عبر تحسين الأمل في الحياة، وزيادة معدلات النمو الإقتصادي من جهة أخرى عبر تحسين انتاجية العمل. أما في لبنان وبسبب غياب دور الدولة وضعف قدرتها على انتاج المستلزمات الطبية والأدوية، وبسبب اعتماد النظام اللبناني على شركات خاصة للإستيراد شكلت عبر الزمن مجموعة متضامنة فيما بينها وأسست كارتيل الدواء الذي تحكم ويتحكم بكل مكامن الاستيراد والتخزين والتسعير ويرفض أي شكل من أشكال المنافسىة حتى لو أدى ذلك الى دمار وضع صحي لمجتمع بأكمله، فما يعنيه فقط هو نسبة أرباحه، وينتظر رفع الدعم بفارغ الصبر لتحقيق أرباح قياسية وخاصة بعد أن قام بتخزين كميات كبيرة من الأدوية المدعومة على السعر الرسمي.
يوجد في لبنان خمس شركات تتحكم بنسبة كبيرة من كمية استيراد وتجارة الدواء موزعة بالتدرج حسب كمية احتكار كل شركة كما يلي:
1- شركة “مرساكو” تستحوذ وحدها على 19 % من مجمل سوق الدواء حيث تمتلك 14 وكالة حصرية لاستيراد الدواء من شركات اجنبية.
2- شركة “فتال” وتبلغ حصتها تقريبًا 9 % من سوق الدواء حيث تمتلك 15 وكالة حصرية للاستيراد من شركات اجنبية.
3- شركة “أبيلا أخوان” تستحوذ على 7% من سوق الدواء وتمتلك 13 وكالة حصرية لشركات ادوية عالمية.
4- شركة مستودع أدوية “الاتحاد” تستحوذ ايضا على 7% من السوق وتمتلك نحو 30 وكالة حصرية لشركات عالمية.
5- شركة “أومنيفارما” تستحوذ على 6 % من سوق الدواء وتمتلك 14 وكالة حصرية لشركات عالمية مختصة بالادوية.
وبالنظر والتدقيق بهذه المعطيات يتبين مدى حجم سيطرة وتحكم هذا الكارتيل بسوق الدواء وكيفية سيطرته على الاستيراد وبالتالي التوزيع والتخزين في ظل غياب مطلق للدولة واجهزتها الرقابية مقدمة لهم السوق اللبناني على طبق من ذهب ليتحكموا فيه ويحتكروه من خلال حصولهم على كامل الحرية عبر وكالات حصرية في تحديد الكميات المستوردة وآلية التسعير ونسبة الارباح الخيالية.
كل هذه الأمور تبين لنا حجم الأزمة التي نعيشها اليوم والتي تهدد حياتنا الصحية. فرغم محاولات وزير الصحة حمد حسن خرق جدار الصمت السياسي حيال هذه الكارتيلات إلا أنه يواجه حيتان المال الذين لا يهتمون لحياة المواطن أو لقدرته الشرائية وإنما فقط ما يهمهم هو تحقيق المزيد من الأرباح.
وما نشهده اليوم من حملات اعلامية واسعة تستهدف أي امكانية لاستيراد الدواء من أي دولة أو جهة يصب في خانة حماية هؤلاء المحتكرين على حساب المصلحة العامة والعليا للمواطن. وبكل وضوح يطالِب المعنيين باستيراد الادوية بالرفع المطلق للدعم من أجل توفيرها في الاسواق فهم لم يكتفوا برفع الدعم عن جزء كبيرمن الادوية على سعر منصة 12 الف ليرة للدولار بل يناشدون برفغ الدعم الكلي لجميع الادوية لكي تحتسب على سعر صرف السوق السوداء والذي بالتأكيد سيرتفع أكثر في حال الرفع المطلق للدعم وخاصة اذا لم يتحقق أي خرق ايجابي في المشهد السياسي، وهذا يعني حصول كارثة اجتماعية أكبر من الموجودة في شتى المجالات وفي القطاع الصحي بشكل خاص. ومن النتائج الكارثية سنذكر ما يلي:
1- ارتفاع جنوني لأسعار الأدوية وسيصبح سعرها أضعاف ما هو عليه اليوم.
2- مزيد من الإنهيار في القدرة الشرائية لنسبة كبيرة من الشعب اللبناني الذين يتقاضون راتبهم في الليرة اللبنانية.
3- مزيد من الأمراض والأوبئة بسبب عدم قدرة نسبة كبيرة من المواطنين على تلبية حاجاتهم من الأدوية والعلاج الصحي.
4- لجوء المرضى أصحاب الدخل المتوسط والمحدود الى شراء الدواء بالحبة أو اعتماد أي بديل غير صحي وهذا سيعرض حياتهم للخطر الشديد.
5-ارتفاع كبير في سعر الدولار مقابل الليرة بعد رفع الدعم الكلي عن السلع وخاصة الادوية والمحروقات التي يحتاج السوق الى مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة لتأمينها.
كل هذه الانعكاسات المدمرة لحياة المواطن تأتي في ظل وجود 480 الف عاطل عن العمل وحوالي 200 الف مواطن يعملون براتب جزئي وفي مقابل ارتفاع الاسعار بحوالي 185% خلال فترة اقل من سنة وفقدان المازوت والكهرباء ووجود ازمة مياه ودواء ووجود طبقة سياسية همها الوحيد هو المحاصصة تأخذنا الى خلاصة تنذر بأننا ذاهبون الى مشهد عام كارثي سيزيد اليه مأساة جديدة في القطاع الصحي ستنعكس على كافة الجوانب الاخرى وسيعاني الشعب اللبناني من طبقية خطيرة ستهدد امنه واستقراره العام وخاصة الصحي منه وتؤكد للجميع أن استمرار النمط الاقتصادي القائم على الاستيراد فقط واهمال الانتاج المحلي والمبني على حماية ارباح المحتكرين بشكل كلي سيدمر ما تبقى من مقومات الوطن.