أردوغان ومفهوم العدالة الدولية
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
محمد نور الدين:
وجّه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في منتدى اسطنبول الدولي قبل أيام، انتقادات كبيرة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لطريقة تعاطيهما مع الوضع في سوريا حيث يستمر القتل والتهجير من دون أن تستطيع المنظمة الدولية فعل أي شيء . ونعى أردوغان في كلمته أمام المؤتمرين العدالة الدولية رابطاً تحقيقها بإصلاح مجلس الأمن .
تنضم تركيا في هذه الدعوة إلى كل دول العالم الثالث . ولا سيما بعد انهيار الثنائية القطبية وتفرّد الولايات المتحدة بتزعم النظام الدولي الناشئ بعد انتهاء الحرب الباردة . وفي الواقع أن نظام الفيتو الذي يظهر على أنه أساس الإصلاح لجهة ضرورة إلغائه لم يقم بعد الحرب العالمية الثانية إلا نتيجة توازنات القوة التي ظهرت فتحكّمت بعض هذه القوى بالقرار الدولي . فيما نُحيت جانباً الدول المنهزمة .
وألمانيا واليابان نموذجان على هذا المعيار .حتى في الأيام التي كانت ألمانيا فيها مهزومة ومدمرة كانت تختزن من عوامل القوة والقدرات المختلفة ولا سيما الاقتصادية والعسكرية أكثر من الدول المنتصرة مثل فرنسا وبريطانيا . ومع الوقت تحوّلت ألمانيا واليابان إلى قوتين اقتصاديتين كبيرتين في العالم . وأصبحت ألمانيا دينامو الاتحاد الأوروبي أكثر من فرنسا نفسها ولا تزال اليوم هي عنصر الاستقرار الاقتصادي للاتحاد الأوروبي خصوصاً بعد الأزمة التي تعصف بالغرب وبمنطقة اليورو .
ومع ذلك فإن ألمانيا ليست عضواً دائماً له حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي فيما فرنسا وبريطانيا عضوان فيه ولهما حق النقض الفيتو وهذا لا ينسجم مع ميزان العدالة . في ظل هذا الوضع فإن الأصوات بدأت ترتفع مطالبة بإصلاح المنظمة الدولية ولا سيما مجلس الأمن . وأشارت بعض تلك الأصوات إلى أنه لا توجد بين أعضاء مجلس الأمن الدائمين أي دولة مسلمة حتى لا نقول عربية ولا أي دولة إفريقية .وهاتان الكتلتان توازيان ثلث سكان العالم . كذلك تسعى دول تحرز تقدماً في قوتها ونفوذها، مثل تركيا والبرازيل والهند، إلى أن تكون ممثلة دائمة في مجلس الأمن وخصوصاً أن بعضها مثل تركيا يحمل منظّرو سياساتها الخارجية »طموحات عظمة« لا حدود لها، ورغم ذلك بقيت أفكار الاصلاح في مجلس الأمن دون تقدم ولا يزال الحال على عهده .
إن مجلس الأمن الدولي لا يزال يعكس توازنات قوة تعود لمرحلة سابقة،توازنات تغيرت ولذلك لا يمكن استمرارها على هذا النحو .
ولكن إلى حين تحقق عملية الاصلاح هذه، لا يمكن الانتظار إلى ما شاء الله لكي تتحقق العدالة . فالعدالة لقضايا العالم الإسلامي على الأقل، ليست مرتبطة حتما بالإصلاح بل بتوافر عناصر محورية وهي توافر الإرادة والتصميم وامتلاك الجرأة والمشروع . فعندما حصلت حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 وانتصرت فيها مصر وسوريا نيابة عن العرب، كان الملك السعودي فيصل ينجح بدوره في امتلاك الشجاعة لكي يفرض حظراً نفطياً على الغرب دخل التاريخ من أوسع أبوابه .
وعندما امتلك العرب التصميم فرضوا على الأمم المتحدة في منتصف السبعينات قرار اعتبار الصهيونية نوعاً من أنواع العنصرية . بينما تراجعت الأمم المتحدة عن هذا القرار وألغته بعد انتهاء الحرب الباردة في ازدواجية مفضوحة لأن العرب افتقدوا الإرادة المستقلة .
واليوم عندما يطالب أردوغان بإصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن فإنما يجب أن يقرن ذلك بوحدة القرار وتوافر الإرادة التي تعكس مصالح العالم الإسلامي على الأقل . والعالم الإسلامي يعاني من انقسامات حادة من جهة ومن تبعية قرار معظم دوله للقوى الاستعمارية العالمية .
فمصر مع الرئيس محمد مرسي وبعد الثورة كانت حريصة على التأكيد على استمرار التزامها باتفاقية كامب ديفيد مع العدو »الإسرائيلي« . أما تركيا فعضو في حلف الناتو ولا يمكن أن تخطو خطوة واحدة من دون إرادة الحلف وقائدته الولايات المتحدة الأمريكية . وحروب الولايات المتحدة في العالم معظمها كان خارج الشرعية الدولية وتركيا شاركت ببعضها . لذا فإن فكرة العدالة لا تُختصر فقط في إصلاح المنظمة الدولية بل في امتلاك الارادة المستقلة والقوة الاقتصادية والعسكرية . رغم كل ما سبق فإن العدالة الأهم للعرب والمسلمين، أن تكون بهدف الانتصار للعدالة المنحورة في فلسطين أولاً وأخيراً والمنسية دائماً من جانب الجميع .