أردوغان بين الطبع والتطبع
اقام البعض في ربوعنا الدنيا ولم يقعدها وهو يتباهى بالنموذج التركي في الحكم وتداول السلطة، وتحديدا تجربة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب اردوغان، الذي زاوج بين الاسلام والديمقراطية، بين المبادىء والقيم الاسلامية وبين البراغماتية الاوروبية، كما اضاف الى هذه اللوحة الجميلة!!، المواقف المبدئية!! لاردوغان من القضية الفلسطينية، فكان نورا على نور.
تتوجت هذه اللوحة الاردوغانية الجميلة، من وجهة نظر هذا البعض !! بركوب الرجل الموجة الطائفية التي سادت البلدان العربية بفضل الربيع العربي!!، فوقف الى جانب السعودية وقطر والانظمة العربية الرجعية الاستبدادية، ضد النظام السوري “العلوي” “الشيعي” “الرافضي” !!، فجند كل امكانيات بلاده المادية والسياسية والاعلامية في خدمة المعارضة المسلحة، وفتح حدود بلاده على مصراعيها امام القاعدة بشتى انواعها ودون استثناء، لدخول سوريا افواجا، ومدهم بالسلاح والعتاد والمال، وهو مجهود شاركته فيه اسرائيل دون زيادة او نقصان.
وتمر الايام وتنكشف الحقائق، وان كانت مكشوفة من البداية لذوي الالباب، فليس هناك اي عداء بين انقرة وتل ابيب، بل ليس هناك حتى مناهضة للسياسات الاسرائيلية من قبل انقرة، وكل ما فعله السيد اردوغان في مسرحياته التي كانت تتمحور حول غزة والقضية الفلسطينية، كان يهدف الى للظهور بمظهر من يناهض الكيان الاسرائيلي، لتحقيق هدف واحد وهو الترويج لافرع الاخوان المسلمين في البلدان العربية والاسلامية، والذي يعتبر حزب العدالة والتنمية التركي احدها.
لقد راى اردوغان انه لا يمكن الترويج للاحزاب الاخوانية، الا في حال وجود موقف ذي مصداقية، يطغي على الاقل على كل هذا التاريخ من التحالف الاستراتيجي بين الكيان الاسرائيلي وتركيا، فجاءت حادثة السفينة مرمرة التركية، التي ذهب ضحيتها العديد من الشباب الذين حاولوا كسر الحصار المفروض على غزة.
بعد تلك الحادثة اعلن اردوغان انه لن يعيد العلاقات مع اسرائيل ابدا !! الا بعد ان يرفع الحظر الظالم عن قطاع غزة، ولا مساومة في هذا الموقف، وتمر الايام فاذا باسرائيل تعتذر ويرضى اردوغان بالاعتذار وبتقديم تعويضات لشهداء مرمرة لاعادة العلاقات الى سابق عهدها مع اسرائيل. حيث طل رئيس الوزراء التركي قبل ايام على الناس عبر شاشة شبكة “بي بي اس” الامريكية ليؤكد انه تم الاتفاق على حل جميع القضايا العالقة بين اسرائيل وتركيا، ومنها قضية تعويضات مرمرة، وان “البلدين” في طريقهما الى التطبيع الكامل لعلاقاتهما وتبادل السفراء.
ان من السذاجة ان يتجاهل البعض كل التاريخ الطويل من التحالف الاستراتيجي بين اسرائيل وتركيا، وهو تحالف اعمق بكثير مما يتصور البعض، وهو يتناول مواقف سياسة تكتيكية اتخذها اردوغان المعروف ببراغماتيته، التي تجلت في اختلاقه الذرائع للتدخل العسكري في سوريا، كما كشفت عنها التسجيلات المسربة، وكذلك نزاعه مع خصمه اللدود فتح الله كولن، الذي يسعى الى طرده من امريكا، عبر الاعتذار من الارمن على المذابح التي تعرضوا لها ابان الحكم العثماني، حيث حاول بذلك مغازلة الكونغرس الامريكي لاسيما الصقور والمحافظين الجدد، ومجموعات الضغط في امريكا.
ان استدارة اردوغان الحادة وتخليه عن مبادئه، كانت بسبب فشل المشروع الاخواني في الشرق الاوسط بعد اصطدامه برفض شعبي واضح، فقد ظهر جليا انه سيخسر اذا ما استمر على ذات السياسة التي حاول ان يتلحف بها للترويج لذلك المشروع، فكان عليه ان يظهر على حقيقته، حليف وحليف استراتيجي لاسرائيل، وقريب وقريب جدا من اليمين الامريكي واللوبي الصهيوني، وبعيد وبعيد جدا عن القضية الفلسطينية وحصار غزة، فمن الصعب ان يتطبع المرء طويلا بطباع ليست له، فغالبا ما يغلب الطبع التطبع.
شفقنا – نجم الدين نجيب