أخيراً تجسد الشر المَحْض
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
خيري منصور:
أية عصابة تلك؟ وما ينابيعها؟ وكيف تم تصنيعها، بحيث يتطلب القضاء عليها تحالفاً من أربعين دولة بقيادة الولايات المتحدة ولمدة ثلاث سنوات تستغرقها المراحل الثلاث لهذه الحرب؟
بقليل من الخيال التاريخي يستطيع أي عربي أن يتوقع مثل هذه الأسئلة من أحفاده، عندما يقرأون ما سوف يُرْوى!
بالطبع ما من جماعة أو عصابة هي نبت شيطاني، ينبثق من الفراغ والعدم، إذ لا بدّ من جذور للشرور كلها، وبالتالي لا بدّ من إرضاع وتغذية لاستمرارها ولو إلى حين .
وحين نتحدث عن الإرضاع والتغذية فالمقصود بذلك ليس المال فقط، بل الأسلحة المتطورة، وهي غالباً مسروقة وكذلك التكنولوجيا واستخدامها ميدانياً على نطاق واسع .
فهل بمقدور “داعش” أو أي تنظيم إرهابي أن يستدعي مثل هذا الحشد الدولي، إلا إذا كان هناك من ينفق ويسلح ويحرض ويحشد؟
الرواية ليست بوليسية بحيث نبحث عن كلمة السر أو الحبكة الدرامية .
ففي العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية أفرزت الأحداث والصراعات الأيديولوجية مسوخاً من شتى الأصناف . وتم تجريف الإسلام من محتواه، وبالتالي اختطافه ليصبح مضاداً لجوهره . فالتطرف ليس من صلب هذا الدين وكذلك العنف الأعمى الذي يطال البشر من كل الانتماءات، والعراق بالتحديد نموذج طازج لهذا كله، حيث آخى السكين المشحوذ بأصابع شيطانية بين كل الضحايا . . المسلم والمسيحي والعربي والكردي وكذلك بين الطوائف والإثنيات، فلم يسلم الإيزيدي والكاكائي والشيعي والسني من الذبح، لأن الدافع الحقيقي ليس دينياً أو حتى مذهبياً؛ إنه دافع عدواني أصبح سادياً لفرط التكرار وإدمان مشهد الدم .
ولن يتبدد عجب أحفادنا مما سوف يقرأونه بعد عقود عن هذه الحرب غير التقليدية، إلا بما سوف يكشف عنه من المستتر وراء الأكمات، وما يبدو حتى الآن غامضاً كأن هناك أطرافاً ترتدي قبّعات الإخفاء، بحيث تفعل ما تشاء دون أن يراها أحد .
وإعلان الحرب الكونية على شر مسلح ومدمن للقتل، هو لحظة فارقة في التاريخ، فقد سبق أن تحدث فلاسفة ومؤرخون عما سمي الشر المحض أو الشر الخالص، وكان مثل هذا المصطلح افتراضياً، أو يمثل الدرجة القصوى في مقياس ريختر للزلازل، بحيث يقاس عليها فقط، فأية تحولات دراماتيكية عصفت بعالمنا بحيث تقيء الأرض أحشاءها وتصبح الإنسانية بكل منجزاتها هدفاً لزحف بربري يرفع شعاراً شمشونياً وهو عليّ وعلى أعدائي يارب!