آلية القمة بين الصين وآسيا الوسطى
صحيفة البعث السورية-
هناء شروف:
ستعزّز المداولات والقرارات التي تمّ اتخاذها في قمة الصين وآسيا الوسطى التي اختتمت في مدينة شيآن بمقاطعة شنشي يوم الجمعة الماضي، توثيق التعاون بين الصين ودول وسط آسيا الخمس. وقد أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، وزعماء دول وسط آسيا الخمس قرارهم إنشاء “آلية القمة بين الصين وآسيا الوسطى”، والتي بموجبها ستتناوب الدول الست على استضافة القمة كلّ عامين، وإنشاء أمانة دائمة للآلية في الصين، حيث اتخذ قرار بعقد القمة القادمة في كازاخستان في عام 2025، واتفقت الدول الست على وجه الخصوص على تعزيز التعاون المتعمق في مجالات مثل النقل والتجارة والاقتصاد والاستثمار والصناعة والزراعة والطاقة والجمارك والتبادلات الشعبية.
تتمتّع الصين وجيرانها في آسيا الوسطى بتاريخ طويل من الاتصالات يعود إلى طريق الحرير القديم. وبالحديث عن الماضي القريب، كانت الصين من أوائل الدول التي اعترفت، وأقامت علاقات دبلوماسية مع دول آسيا الوسطى الخمس بعد حصولها على الاستقلال في عام 1991.
رفعت دبلوماسية رؤساء الدول في قمة “شيان” التعاون بين الصين وآسيا الوسطى إلى مستوى أعلى، حيث دعمت الصين السلام والتعاون والتنمية المشتركة، وبذلت جهوداً لبدء حوار حول الأمن والتعاون في المنطقة. كما تمّ الانتهاء من العمل على خريطة طريق لتعزيز التعاون الإقليمي، وتمّ التوقيع على معاهدة الصداقة، وحسن الجوار والتعاون من أجل تنمية آسيا الوسطى في القرن الحادي والعشرين.
يمكن للدبلوماسية المعروضة في مدينة “شيان” أن تعمق الثقة الاستراتيجية المتبادلة، وأن تعزز الدعم المتبادل للمصالح الجوهرية والاهتمامات الرئيسية للدول الشريكة. كما ساعدت دبلوماسية رؤساء الدول في إنشاء آليات تعاون جديدة متعددة الأطراف. في الواقع أنشأت الصين ودول آسيا الوسطى بالفعل آلية لعقد اجتماعات منتظمة، وستعمل “آلية قمة الصين وآسيا الوسطى” على زيادة توسيع التعاون الحكومي الدولي والمساعدة في تعزيز التبادلات الشعبية.
في عالم اليوم المضطرب والمتغيّر، تواجه دول آسيا الوسطى تحديات داخلية وخارجية على حدّ سواء، بما في ذلك الصراعات الجيوسياسية، والتطرف، والآثار اللاحقة لوباء كوفيد 19. لقد اتفقت الدول الست على العمل معاً لبناء مجتمع بين الصين وآسيا الوسطى ذي مستقبل مشترك، لأنهم يعرفون أن الاحترام المتبادل، وحسن الجوار والدعم المتبادل والتعاون المربح للجانبين أمور ضرورية لتعزيز العلاقات الثنائية والمتعدّدة الأطراف وزيادة العلاقات المتبادلة.
لدى دول آسيا الوسطى الخمس برامج إصلاح خاصة بها تهدف إلى تعزيز اقتصادها، وتحسين سبل عيش الناس، وتقليل المخاطر الخارجية إن لم يكن التغلب عليها.
إلى جانب ذلك، يصادف عام 2023 الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة “الحزام والطريق” التي شاركت فيها دول آسيا الوسطى، بل واستفادت منها. علاوة على ذلك، يمكن لمبادرة “الحزام والطريق” مساعدة دول آسيا الوسطى على تنفيذ برامج الإصلاح الخاصة بها، والتي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تحسين سبل عيش شعوبها وتعزيز نموها الاقتصادي.
سيكون تكامل مبادرة “الحزام والطريق” مع خطط التنمية الجديدة لدول آسيا الوسطى خطوة مهمّة في هذا الاتجاه. من هنا يتعيّن على دول وسط آسيا الخمس العمل معاً لبناء ممر اقتصادي مشترك لتعزيز التنمية المشتركة. وعلى وجه الخصوص، يمكن لدول آسيا الوسطى، وهي دول غير ساحلية، الحصول على وصول أكثر ملاءمة إلى البحر إذا قامت بتعميق التعاون مع الصين.
في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، اقترحت الصين ودول آسيا الوسطى تدابير عملية لتحسين “الاتصال الثابت” للبنية التحتية، و”الاتصال الناعم” للقواعد والمعايير، حيث تعمل الصين أيضاً مع دول آسيا الوسطى لتسهيل تدفق السلع والأشخاص بشكل أفضل عن طريق إنشاء شبكات تداول السلع، ومراكز التجارة الحدودية، وتوسيع التعاون في الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والحوسبة وغيرها من القطاعات الأخرى التي تعود بالنفع على الشعوب من جميع الجهات.
لقد ساعد توسيع التبادلات الشعبية بين الصين ودول آسيا الوسطى على الحفاظ على تعاون طويل الأمد، وتعاون ثنائي ومتعدّد الأطراف يعزز الصداقة وحسن الجوار، مما يجعل من الممكن لطلاب الجامعات والمهنيين من دول آسيا الوسطى التقدم للدراسة وتلقي التدريب في الصين. كما قدمت الصين ملايين اللقاحات والإمدادات الطبية الأخرى لدول آسيا الوسطى لمساعدتها على احتواء جائحة كوفيد-19، ما عزّز الروابط بين الصين ومنطقة آسيا الوسطى ككل.
باختصار، عزّزت القمة الإجماع على ضرورة قيام الصين ودول آسيا الوسطى ببناء مجتمع مصير مشترك، إذ سيكون لآلية القمة تأثير خارج المنطقة.