آخر الحروب الامبريالية الأميركية في الشرق الأوسط
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
يبين البروفيسور الأميركي جيفري زاكس في تحليل نشره في العدد الحادي عشر لمجلة «مركز العلاقات الدولية والتنمية المستدامة» عام 2018 تحت عنوان «نهاية الحرب الأميركية في الشرق الأوسط» أن المؤرخ الأميركي الشهير هاريس ستاوت كشف في كتبه عن التاريخ الأميركي أن «السلوك المعتاد للولايات المتحدة هو الحرب، فقد شنت 280 حرب احتلالٍ وتدخلٍ في كل أنحاء العالم تحت شعارات زائفة»، ويؤكد زاكس أن كل الحروب الأميركية جرى شنها لأهداف إمبريالية بمبادرة أميركية ولم تكن تعد ضرورة لا بد منها»، بدوره يؤكد رئيس قسم التاريخ في جامعة كولومبيا جون كوتوورث أنه وثق 41 عملية تغيير لأنظمة حكم في أميركا اللاتينية وحدها بين عام 1898 وعام 2004، ناهيك عن عشرات مثل هذه العمليات في أوروبا وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
لقد كان من الطبيعي أن تتحول هذه الحروب وتغيير الأنظمة إلى سياسة معلنة ومكثفة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وانتهاء الحرب الباردة، ففي ذلك الوقت أكد القائد العسكري الأميركي لقوات حلف الأطلسي الجنرال ويسلي كلارك ومعه بول وولفوفيتش من وزارة الدفاع الأميركية أن «الولايات المتحدة تستطيع الآن استخدام قواتها بسهولة ودون معارضة دولية فلن يأتي السوفييت لصدنا وعرقلتنا، وأمامنا من خمس سنوات إلى عشر للتخلص من كل الدول المناهضة لنا في الشرق الأوسط مثل سورية والعراق قبل أن تظهر قوة عظمى تالية تتحدانا على غرار الاتحاد السوفييتي».
هذا في واقع الأمر ما بدأت بتنفيذه واشنطن وحلفاؤها منذ احتلال أفغانستان 2001 والعراق عام 2003 ومحاصرة إيران ثم شن كل أشكال مؤامرات تغيير النظام ضد سورية منذ عام 2005 ثم الانتقال إلى شن حرب كونية عليها عام 2011، وتغيير النظام في ليبيا واستهداف منظمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، إلى أن تمكنت قوى وأطراف محور المقاومة من إحباط هذه الأهداف الأميركية بقدراتها وبدعم من روسيا الاتحادية، لتشكل بذلك أول بوابة تاريخية تشهدها المنطقة على المستوى العالمي لإنهاء الحروب الأميركية – الغربية – الصهيونية في هذه المنطقة والعالم كله في أعقاب استعادة روسيا الاتحادية لدورها كقوة عظمى وتحالفها الوثيق مع القوة الكبرى الصينية وبشكل لم تتمكن واشنطن من صد نتائجه المدمرة للهيمنة الأميركية وإحباط الخطط التي اعتادت تنفيذها بتقسيم الدول وتمزيق شعوبها طوال مئة وثلاثين عاماً.
فبعد حربين عالميتين بين الضواري الاستعماريين في القرن الماضي، تحولت الولايات المتحدة إلى أكبر قوة استعمارية تنتشر قواعدها العسكرية على أكثر من 123 دولة، وتمسكت بسياسة تغيير الأنظمة وشن الحروب للمحافظة على مصالحها على حساب كل شعوب العالم بما في ذلك الشعوب الأوروبية نفسها، وفي هذه الأوقات أخذت تدرك الإدارة الأميركية أنها أمام استحقاقات آخر حروبها الامبريالية في ظل انقسام عالمي يناقض سياسة واشنطن وهيمنتها وتشكله أكثر من نصف البشرية في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وبعض دول أوروبا التي بدأت شعوبها تستشعر مضاعفات هذه الهيمنة الأميركية على مستقبل المصالح الأوروبية، وبدأت تزداد يوما تلو آخر احتمالات متسارعة تقلب رأساً على عقب ما تمناه الجنرال كلارك وبول وولفوفيتش حول التخلص من الدول المناهضة للهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط، فما تبشر به التطورات في الشرق الأوسط الآن يتجه نحو ما توقعه نفسه البروفيسور جيفري زاكس عام 2018 في عنوان بحثه: «نهاية الحرب الأميركية في الشرق الأوسط»، وهو ما تتطلع إليه كل شعوب العالم العربي والإسلامي في الشرق الأوسط، ولذلك يتوقع معظم المتفقين مع هذه الحقيقة، أن السنوات المقبلة حتى نهاية هذا العقد، ستشهد ظهور بداية نظام عالمي لن تعود فيه الولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها العدواني الطويل، قوة مهيمنة تصنع الحروب وتمزق الشعوب للمحافظة على مصالحها الإمبريالية.