476 دقيقة عبر #واتساب فضحت تفاصيل الخطة الانقلابية
كشفت دراسة قام بها الصحافي بريطاني كريستيان ترايبورت الذي يحضر حاليًا لدرجة الماجستير في قسم دراسات الحرب في “كينغز كوليدج” لندن عن جزء من المحادثات الخاصة بين مهندسي الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عبر موقع التواصل الاجتماعي “واتساب” منذ انطلاق العملية عند الساعة 9:15 مساء إلى 4:41 فجرا، وعن تفاصيل المخطط ومراحله في الساعات التي سبقت محاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
واستخدمت مجموعة من المتآمرين، وفق الموقع الصحافي، موقع “واتساب” للتواصل بعضهم مع بعض، بغرض شن محاولة انقلاب فاشلة في تركيا. وتولت الدراسة التي نشرت على موقع “بلينغكات” للصحافة الاستقصائية كتابة وترجمة وتحليل المحادثة، ومن ثم ربط ما بين الرسائل والصور والفيديوهات والتقارير الإخبارية من مساء ليلة 15 حتى صباح يوم 16 تموز.
ويتكون النص من مصدرين مختلفين، المصدر الأول عبارة عن فيديو جرى تحميله على موقع “تويتر” في صباح يوم 16 تموز، ويعرض حوارًا هاتفيًا لأحد المتآمرين الذي استسلم أو ألقي القبض عليه أو قُتل. ويعرض هذا الفيديو حوارا دار على “واتساب” بدءًا من الساعة 21:15 حتى الساعة 22:45، أما بالنسبة للمصدر الثاني، فيتألف من صور تُظهر باقي الحوار، الذي جرى تسجيله.
وتتألف مجموعة “واتساب” المشار إليها من كبار المسؤولين العسكريين البارزين، ينتمي أغلبيتهم إلى القوات البرية التركية، ومن بينهم اثنان من القادة برتبة لواء وأحد عشر عقيدا.
والمجموعة هي إحدى مجموعات التنسيق من محاولة الانقلاب، التي ينصب تركيزها (في الغالب) على القوات البرية في إسطنبول وساكاريا فحسب. وعلى الأرجح، توجد مجموعات تنسيق أخرى تعمل في أماكن أخرى بتركيا. ومن ثم، فمن المهم أن نضع في اعتبارنا أن هذا لا يتجاوز كونه لقطة من محادثة لبعض مدبري الانقلاب ولا تغطي مراحل التخطيط بالكامل.
ويتواصل عضو واحد على الأقل من المجموعة مع “أنقرة”، حيث يقع مقر الانقلابيين (ربما في قاعدة آكينسي الجوية)، وينتمي ثلاثة، من بين خمسة أفواج للانقلابيين إلى قوات الانتشار السريع للناتو في تركيا. وتعكس المحادثات التي أزيح الستار عنها حوارا فوضويا بين مدبري الانقلاب، حيث إن كثيرا من الأرقام كان يجري تبادلها وسط المحاولة الانقلابية.
وكان من أبرز محاور محادثات “واتساب” التي تطرق إليها كبار العسكريين الضالعين في محاولة الانقلاب الازدحام المروري الذي شكل مشكلة طوال الليل، واحتجاز قائد الجيش الأول رهينة، وطلب الدعم الجوي عدة مرات، واقتراح ضرب جسر البوسفور.
وعندما أشرق الصباح، أدرك مدبرو الانقلاب أنها النهاية. وتساءل عقيد مشارك في المحادثات عن مصيرهم، قائلاً: “أيتعين علينا الفرار؟”، ويأتيه الرد قائلاً: “الخيار لك.. لم نقرر بعد، لكننا غادرنا مواقعنا.. وسأغلق المجموعة.. وبإمكانك حذف الرسائل إن أردت”.
وفي ما يلي مقتطفات من الترجمة عن النص الأصلي التركي للمحادثة التي جرت عبر “واتساب”، والموجودة بالكامل على الموقع الصحافي:
في تمام الساعة 21:15 في تموز 2016، شكل الرائد مرات كليب أوغلو مجموعة باسم “يورتا صلح”، وهما الحرفان الأوليان من الجملة الشهيرة التي قالها كمال أتاتورك، أول رئيس للجمهورية التركية عام 1931، ومعناها “سلام في البلاد.. وسلام في العالم”، وهي الجملة التي أصبحت نهجا للسياسة الخارجية لتركيا، وكذلك أصحبت شعارا لقوات المشاة التركية. وبعد ذلك، تمكن الرائد كيب أوغلو من ضم عدد من الناس إلى مجموعته، وأبلغهم أنه سوف يعلن عن بعض الأمور في المجموعة، وأن الأعضاء بمقدورهم تبادل كل ما يتم الإعلان عنه، “سوف أرسلها إلى أنقرة”، وفق كليب أوغلو في إشارة إلى مقر الانقلابيين في أنقرة.
وأضيف بعض الأعضاء الذين شاركوا في المجموعة إلى قائمة اتصال هاتف هذا الشخص، ما كشف عن أسمائهم، ورتبتهم العسكرية. هناك بعض الأشخاص من الممكن أنهم قدموا أنفسهم بالاسم، أو ممن يمكن تحديد هويتهم من خلال المحادثة.
عند الساعة 21:26، أصدر الرائد كليب أوغلو التعليمات الأولى للتحرك العسكري، وقال: “اقطعوا السير في الطريقين الرئيسيين في إسطنبول: الأول طريق (إي 5) والثاني (إي 80)، على أن يترك المرور خارج إسطنبول على ما هو عليه، ويمنع المرور إلى داخل إسطنبول وتعود المركبات من حيث أتت”.
من جهته، رد الكولونيل أحمد زكي غيرهان بأن المواقع “المطلوبة تجب السيطرة عليها فورا”. وكان من الواضح أن القائمين على الانقلاب كان في ذهنهم مناطق محددة للسيطرة عليها، أو على الأقل إظهار وجودهم فيها. ويمكن اعتبار المواقع التالية الأهم والأكثر تكرارا خلال المحادثة: جسر البوسفور (أو الجسر الأول)، وجسر السلطان محمد الفاتح (أو الجسر الثاني)، وميدان تقسيم، ومركز تنسيق السيطرة على الكوارث، ومطار أتاتورك الدولي، ومطار صبيحة الدولي، ومقر شرطة إسطنبول بمنطقة فتان قداسي، ومقر قوات مكافحة الشغب في بيرمباسا، ومدرسة كوليلي الثانوية، ومركز بورصة إسطنبول، ومكتب محافظ إسطنبول، ومكتب حزب الحرية والعدالة بإسطنبول، ومحطة الإذاعة والتلفزيون التركية في إسطنبول، ومركز الدعم اللوجيستي، وكلية القيادة والحرب.
وفي تمام الساعة 21:29، كان العقيد مسلم كيا أول من قال: “إن هناك وحدة في الطريق”، قائلا: “6 بدأت”، في إشارة إلى قوة المشاة رقم 6 المتمركزة في منطقة هسدال في إسطنبول.
في غضون ذلك، ظهرت المشكلة الأولى، ففي الأكاديمية جرى الإشارة إلى أن شخص باسم فاتح إرماك لديه مشكلة في إقناع وحدته العسكرية بالانضمام إلى محاولة الانقلاب. ويسأل الرائد كليب أوغلو ما إذا كان العقيد غيرهان سوف يساعده، وأجاب الأخير بعد دقيقة أنه في طريقه للمساعدة وقال كتابة “ليس هناك أي مشكلة”.
إلا أنه بعد بضع دقائق، ظهرت مشكلة جديدة تكررت في المساء، وهي الاختناق المروري. وتساءل الرائد كيب أوغلو: “هل يمر رقم 2 ورقم 66 بمشكلات بسبب الاختناق المروري في الطريق؟”، إذ إن إسطنبول معروف عنها الازدحام المروري، تحديدا مساء الجمعة. بينما ردّ عليه الرائد عثمان أوكايا: “ليس هناك ما نقلق بشأنه”، مضيفا: “لم ننصرف بعد”.
نتيجة لذلك، سأل الرائد كليب أوغلو مرة أخرى عن موقع الفرقتين العسكريتين. ومن خلال فرقة عسكرية أخرى، يرد العقيد كايا أن وحدة المشاة السادسة على وشك الوصول إلى مركز تنسيق مكافحة الكوارث الواقعة في شمال غربي إسطنبول. ويظهر ذلك أن قادة محاولة الانقلاب يسعون لمركز تنسيق منع الكوارث قبل أي شيء آخر.
واستعمل المشاركون في محادثاتهم أرقاما، اتضح بعد التحليل أنها تشير إلى وحدات عسكرية. وبالرجوع إلى مصدر معلومات متوافر، اتضح أن أعضاء المجموعة يشيرون إلى كتيبة المدرعات الثانية المتمركزة في منطقة كرتال بإسطنبول، وكتيبة المشاة الميكانيكية 66 المتمركزة في هصدل مع الوحدة رقم 6، غير أن الوحدات وقعت تحت سيطرة الفيلق الثالث التابعة للقوات المشاة التابعة للجيش التركي، كما يتضح في الجدول، الذي يظهر أيضا مواقع قواعدهم وقوتهم التقريبية بدءا من عام 2014.
ويشار إلى أن قوات المشاة التركية بوحداتها الثلاث تعتبر جزءا من حلف “الناتو” للانتشار السريع منذ عام 2003، التي ترفع الشعار نفسه “سلام في البلاد.. وسلام في الخارج”.
وبالرجوع إلى اللوحات المعدنية للمركبات المشاركة في محاولة الانقلاب، فقد شاركت مركبات من كتيبة المدرعات الثانية، والكتيبة رقم 66 مشاة ميكانيكا، كما يظهر بوضوح في الصور في إسطنبول. وتظهر أرقام المركبات من الجيش الأول، وتبدأ برقم 1 ثم خمسة أرقام أخرى، في حين جرى تغطية أرقام مركبات أخرى مشاركة.
وفي الساعة 21:50، سأل العقيد غيرهان على من يجب أن تتواصل معه “تعزيزات هادمكوي”، وأضاف: “إنهم ينتظرون عند مدخل (الثكنة)”. واتصل أيضًا بالجنرال “كاني أكمان غاريسون”، وعلى الأرجح يسير غراهام هنا إلى الفرقة المدرعة التكتيكية الـ52، حيث إنها الوحدة العسكرية الوحيدة المتمركزة في هادمكوي.
وبعد أربع دقائق، قال الرائد سيلبي أوغلو إنه يتصل بباشا أيوب. وكلمة “باشا” هي اللقب المبجل الذي كان يطلق على رتبة الجنرال خلال الحقبة العثمانية، الذي لا يزال يستخدم في تركيا وفي المنطقة على نطاق واسع. ويطلب سيلبي أوغلو أيضًا رقم محمد إيرول المقدم في القوات الجوية التركية، على الرغم من أن رائدا آخرا يؤكد أن المقدم إيرول جرى التواصل معه بالفعل، وبأنه سيفتح البوابات. وأضاف أنه يتحدث مع المقدم إيرول. ويشارك العقيد صادق سليم سبسي المجموعة رقم هاتف إيرول، الذي جرت إضافته إلى المجموعة بعد 15 دقيقة.
وبعد دقيقة واحدة، أبلغ العقيد كايا المجموعة أن وحدة تشق طريقها الآن إلى مقر مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية، المعروفة أيضًا باسم الإذاعة العامة الوطنية بتركيا “تي آر تي”، وأقر بأنهم في طريقهم إلى مقر إذاعة الراديو نفسه. وبعد تسع دقائق، كتب كايا أنهم يستولون على “أكوم”، مما يوحي بأن الأشخاص في هذه المجموعة يقودون عدة مجموعات أخرى موزعة على إسطنبول وساكاريا.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط