3 ألعاب خطرة قد تقود العالم لحرب كبرى
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
عندما يشير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى أن إمكانية نشوب صراع نووي ـ الذي لم يكن من الممكن تصوره في يوم من الأيام، عاد الآن إلى عالم الاحتمال ـ فإن هذا التصريح من كبير الديبلوماسية في العالم يعد مؤشرا جديا وخطيرا.
وفي تصريحات أخرى أكثر تفصيلا وتوضيحا لمكمن الخطورة، يقول غوتيريش إن عدد الرؤوس النووية في العالم بلغ 13 ألفا، مشددا على أن ذلك يمثل أمرا غير مقبول، وأن الأوضاع التي يمر بها العالم حاليا أكثر فوضوية مما كانت عليه في زمن الحرب الباردة، حينما دارت المواجهة بين تكتلين وكانت هناك قواعد واضحة لمنع اندلاع النزاعات مع مستوى معين، بينما ما نشاهده الآن أمر أكثر فوضوية وقابل للتنبؤ بشكل أقل، ولا توجد لدينا أدوات للتعامل مع الأزمات. لذلك نحن بلا شك في وضع خطير للغاية.
ما يقوله غوتيريش يعكس بوضوح حقيقة الأزمة والتي نتجت بلا شك بسبب القيادة غير الرشيدة التي مارستها الولايات المتحدة في الفترة التي اعتلت فيها عرش العالم أحادي القطب، حيث خلقت أوضاعا ثورية لدى كل القوى الكبرى التي تراجعت مكانتها وخلقت ثارات تاريخية على غرار الثارات التي خلقتها نتائج الحرب العالمية الأولى داخل ألمانيا، وقادتها للانتفاضة التي أشعلت الحرب العالمية الثانية.
لا شك أن الطريقة التي تعاطت بها أمريكا مع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قد أغفلت أن روسيا الاتحادية هي وريث لقطب عالمي، وليست مجرد دولة إقليمية يمكن محاصرة طموحاتها وردعها وقطع الطريق على استعادة مكانتها الدولية، خاصة وأنها تمتلك النواة الصلبة لإعادة تشكيل نفسها كقطب وازن.
والشاهد هنا، أننا أمام وضع دولي صعب، وبقدر ما يشهد مخاضا لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يمكن أن يشكل انفراجة للمستضعفين واعتدالا في الموازين الدولية، فهو بنفس القدر يشكل خطورة كبيرة على الأمن العالمي ككل، ويحمل نذرا مخيفة لحرب كبرى مدمرة لا يجب الاستهانة باحتمالات حدوثها.
ومن ضمن ما يجعل هناك نذرًا لانزلاقات خطيرة، هو بعض ما نراه من سياسات وتصريحات وممارسات يمكن أن نصفها بأنها “ألعاب خطرة” ويمكن أن نصف لاعبيها بعدم الرشد وانعدام المسؤولية، ويمكن رصد أبرزها فيما يلي:
أولا: لعبة نزع شرعية روسيا في مجلس الأمن
وهذه اللعبة لها شواهد كثيرة، حيث يتم التركيز الإعلامي وبشكل دعائي على قصف للمدارس ومسرح ومستشفى للولادة وللكنائس وللمباني السكنية، بهدف تشكيل حالة مكتملة نموذجية من حالات جرائم الحرب، ثم يكلل ذلك بتصريح خطير ومتجاوز للأعراف الدولية والديبلوماسية، يصف الرئيس بوتين بأنه مجرم حرب!
وهو ما يشي أنها مؤامرة مخطط لها يعززها الرئيس الأوكراني بإطلالاته الهوليودية، حيث يظهر مرتديا ملابس شبابية على غرار القواعد الشبابية في الثورات الملونة ومنظمات الـ “ان جي اوز” ويتحدث بطريقة تعبيرية تمثيلية موحيا بالنضال ضد الطغيان والاستبداد ومناديا بإنقاذ بلاده من جرائم الحرب الروسية!
ورغم أن الروس نفوا مرارا وتكرارا استهدافهم للمدنيين، وأوردوا دلائل فنية تثبت عدم استهدافهم للعديد من الأهداف التي الصقت بهم تهمتها، مبينين الفارق بين نسق انهيار المباني الناتج عن القصف والنسق الناتج عن استخدام الألغام، واتهموا كتائب ازوف بتفجير هذه المباني، إلا أن احدا لم يسمع، ويبدو أنها خطة تصر على الاكتمال لتوصيف الرئيس بوتن بأنه مجرم حرب.
وإذا ما جمعنا هذه الشواهد مع التلميحات بأن روسيا تسيء استخدام الفيتو وأنها خارجة عن الإجماع وأن مجلس الأمن ينبغي إعادة النظر به، فإننا أمام لعبة خطيرة تنذر بتداعيات لا يستطيع أحد منع انزلاقاتها.
والخطورة هنا تكمن في أن النظام العالمي ومؤسساته وفلسفة تشكيل مجلس الأمن الحالي، تشكل بناء على نتائج الحرب العالمية والمنتصرين بها، وأي عبث في تشكيله يتطلب حربا أخرى وبالتالي هي خطوة تقود باتجاه نذر حرب عالمية جديدة.
ثانيا: التمادي في محاولات إفشال روسيا
عند تأمل العقيدة النووية لكل من روسيا والولايات المتحدة، نجد فارقا حضاريا بين العقيدتين، وعقيدة روسيا هي استخدام السلاح النووي في حالة تهديد وجودي للدولة الروسية ووصولها لحافة الانهيار، بينما عقيدة أمريكا، هي استخدام السلاح النووي عندما يكون ذلك ضروريا!
ولا شك أن أمر الرئيس بوتين بوضع قوات الردع النووي في حالة تأهب في بداية الحرب وبعد خطاب امريكا والغرب المعادي لروسيا والاستنفار الذي حدث يعكس وجودية المعركة الراهنة لروسيا، وقد عزز من تلك الفرضية، توالي التصريحات الروسية على مستويات متعددة، وربما كان أكثرها صراحة هو تصريح مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرجي ناريشكين، والتي قال فيها إن مصير بلاده يتحدد حاليا، مشددا على أن روسيا لن تتراجع أبدا في الأمور المتعلقة بضمان سيادتها، وقال جملة لافتة وهي: “السيادة ضمان لرفاه مواطنينا وكرامتهم ومستقبل أطفالنا، وروسيا لن تتراجع أبدا وإلا فإنها ستتوقف عن كونها روسيا”.
وبالتالي فإن روسيا تعلم أنها لو انهزمت في المعركة الراهنة فلن تقوم لها قائمة، وأن استخدام السلاح النووي وفقا للعقيدة النووية الروسية سيكون واردا بلحاظ وجودية هذه المعركة.
وهنا تلعب أمريكا لعبة خطرة بمساعيها لإفشال روسيا واستنزافها وصب البنزين على نار الحرب الراهنة، وخاصة بعد إرسال مئات الطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للطائرات والدبابات ومحاولة حصار روسيا سياسيا واقتصاديا.
ثالثا: لعبة ابن سلمان في نظام البترودولار
وعلى هامش هذه الحرب يحاول ولي العهد السعودي لفت الأنظار الأمريكية إليه ومحاولة استغلال أزمة الطاقة لنيل الرضا الأمريكي عن شرعيته، وخرج ملوحا بالتوجه شرقا، ولكن أخطر ما لوح به، هو دراسة اعتماد اليوان الصيني كعملة لصادرات الطاقة مع الصين.
وهذه لعبة خطرة لو اتخذ بها إجراءات عملية ولم تكن سوى مناورة، حيث نظام البترو دولار خط أحمر أمريكي يمكن أن يكون دونه الرقاب وليس مجرد العرش.
أمريكا يمكن أن تتحمل تحول العالم إلى نظام متعدد وتبقى قطبا فيه، ولكن العبث بالعملة الأمريكية وتحديدا لصالح العملة الصينية، مهدد لقطبيتها بالأساس وهو ما لا يمكن تمريره، وخاصة وأن السعودية لا تمتلك هامش المقاومة لأمريكا من حيث البنية الاقتصادية والعسكرية ناهيك عن الغطاء السياسي لجرائمها والذي توفره لها أمريكا.
هي ألعاب خطرة تنذر بانزلاقات وعواقب وخيمة، ولكن أهم نتائجها هو تضييق هامش المناورة لمن يمسك العصا من المنتصف مثل تركيا و”اسرائيل” وبعض العرب، والسير باتجاه الفرز والاصطفافات الدقيقة الصريحة.