2023 عام المقاومة الفلسطينية
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
نهاية الأسبوع الماضي، منح الكنيست الإسرائيلي الثقة للحكومة السابعة والثلاثين منذ قيام هذا الكيان في المنطقة، والسادسة التي يترأسها بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود اليميني وذلك على إثر تحالفه مع مكونات يمينة متطرفة لضمان وصوله للسلطة وقلب الطاولة على منافسيه الذين أرادوا الإطاحة به وإنهاء حياته السياسية بعد إثبات تهم الفساد التي ارتكبها.
هذه الجلسة التي شهدت انقساماً واضحاً ما بين الذين يصنفون باليسار واليمين، إلا أنها تعد تحوراً مركزياً في المشهد السياسي الإسرائيلي لكونها تعكس التغير الديمغرافي الاستيطاني في توجهاته من ناحية بما يهدد بشكل جدي وفق وصف صحيفة «هآريتس» بنواة حرب داخلية مهددة لاستقرار هذا الكيان وديمومته، ومن ناحية ثانية بعزلة دولية ولاسيما مع الدول الأوروبية التي تتغنى بشعارات حقوق الإنسان واختبار مدى جديتها في ذلك.
وكان لافتاً أن نتنياهو ومرتزقته اليمينيين سارعوا لإزالة مفاعيل التخوف على الصعيدين الداخلي والخارجي، عبر تعيين نتنياهو، على سبيل المثال لا الحصر، عضو الكنيست من «الليكود» أمير أوحانا رئيساً للكنيست رغم أنه من المثليين جنسياً، في محاولة منه لإرسال رسالة طمأنة للداخل الصهيوني بأن هذه الحكومة لن تكون دينية ومتطرفة وعنصرية.
أما على الصعيد الخارجي فقد سارع رئيس حزب «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سموتريتش لطمأنة المجتمع الدولي عبر مقال له في صحيفة «وول ستريت جورنال» قبل أسبوع من نيل هذه الحكومة الثقة، تتضمن عدم الوقوف ضد الحريات وضمانها لجميع المستوطنين بغض النظر عن توجهاتهم العلمانية أو الدينية.
إلا أن هذه الخطوات وغيرها لم تكن كافية لخلق الثقة والطمأنينة لدى المستوطنين والمجتمع الدولي، إذ سارع أكثر من 100 دبلوماسي إسرائيلي سابق لإبداء تخوفهم من تشكيل هذه الحكومة التي طالب نتنياهو أن تكون مدة تسليمها وتسلمها قصيرة، واعتبروا أن هذه الحكومة ستجلب الويلات على هذا الكيان من كل الجهات، وهو السبب الذي دفع سفيرة تل أبيب في فرنسا ياعيل غيرمان لتقديم استقالتها واعتبار هذه الحكومة من أشرس الحكومات تطرفاً على إسرائيل ذاتها.
كما أن المتابع لتركيبة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي وتصريحات أركانها المتطرفين، يصنفون الشعب الفلسطيني بأنه يقف أمام مشاريعهم المزعومة، لذلك ستلجأ هذه الأحزاب نحو التطرف اللامحدود تجاه العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وغيرها من المدن المحتلة، ولاسيما بعد أن نجحت هذه الأحزاب في الاستحواذ على صلاحيات واسعة ذات أهمية وتأثير، من بينها ملف الأمن في الضفة الغربية خاصة، وهو ما سيقود بالضرورة إلى تصعيد في المواجهة مع الفلسطينيين بكل أماكن وجودهم، أما فيما يتعلق بالقدس والمقدسات، فمن المؤكد أن حكومة نتنياهو وبموجب تصريحاتها المعلنة، ستسعى خلال عام 2023، إلى حسم معركة السيادة على المسجد الأقصى لمصلحتها، وسحب الوصاية الدينية عليه من الأردن، وهو ما سيفجر أوضاع المواجهة نحو انتفاضة ثالثة تتحضر لها الفصائل الفلسطينية المقاومة وتحذر من تداعياتها، في ظل وجود وزيرين بهذه الحكومة الفاشية هما بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير، واللذين يحملان مخططات عدائية متأصلة تجاه الفلسطينيين.
هذه التحذيرات ستتزايد مع تغول المؤسسة الدينية الصهيونية في الحكومة الجديدة وتسلمها مفاصل ومقاليد الحكم بإسرائيل، وذلك لأول مرة منذ النكبة 1948، حيث ستشرع العديد من القوانين والتشريعات التي تفتح الباب أمام استباحة الدماء الفلسطينية وهدم البيوت والاغتيالات وسرقة الأراضي والممتلكات، بما في ذلك أراضي جنوب النقب الذي يخوض أهلها معركة دفاعية ووجودية لمنع مصادرة 800 ألف دونم من أراضيهم، وهدم وتشريد 40 قرية لا تعترف بها إسرائيل، وهو ما ينذر بمواجهات بفعل سياسة «سهولة الضغط على الزناد» من عناصر الأمن الإسرائيلي، وخاصة بعد إصرار إيتمار بن غفير على نقل صلاحيات 72 وحدة تسمى بـ«حرس الحدود الإسرائيلي» العاملة في الضفة إلى إمرته، والطلب من كل هذه العناصر القتل بدماء باردة كل من يهدد أمنهم وأمن كيان إسرائيل وفق وصفه من دون تردد أو خوف.
كما أن بن غفير ذاته يشجع من يسمون أنفسهم «جماعة الهيكل» لممارسة كل أشكال التطرف ضد الفلسطينيين، وقد أشارت «إيديعوت أحرنوت» في تقرير لها إلى أن هناك وعوداً قدمت لهذه الميليشيات المتطرفة، بإطلاق سراح أعضائها وإصدار مراسيم عفو عنهم حتى الذين اعتدوا على باقي المستوطنين اليهود، ووعدوا بتمويل ودعم لوجستي كبير.
هذا الواقع من التطرف قد يدفع أركان الحكومة الإسرائيلية الجديدة لتفكيك السلطة الفلسطينية أو تجميد دورها أكثر، ولاسيما بعد اتهامها بالعجز لعدم قدرتها على ضبط المقاومين، وعلى إثر تولي سموترتيش مسؤولية ما يسمى الإدارة المدنية وهي المسؤولة عن تسيير أمور الفلسطينيين بالضفة تمهيداً لضمها، بناء على ما يخطط له هذا الكيان منذ ضم القدس الشرقية.
بن غفير الذي يطالب بمنح عناصر الشرطة الصهاينة أسلحة أكثر فتكاً ويهدد باجتياح الأقصى ومنع المصلين المسلمين من الدخول إليه، هو عينة لباقي أركان هذه الحكومة الفاشية، التي من المؤكد ستواجه بمقاومين شبان رفضوا الانصياع للأمر الواقع والمغريات على مدى عقود، وكلما أمعنت حكومات الاحتلال بالعنصرية والاستيطان والقتل والسرقة والاعتقال وغيرها، كان الشعب الفلسطيني يزداد إرادة بالتمسك بالمقاومة، وإن كان عام 2022 عام الفدائيين الشبان، فقد يكون عام 2023 عام الانتفاضة لكل فلسطين.