2023.. الأمن المائي مهدّد
موقع العهد الإخباري-
فاطمة سلامة:
لا يختلف واقع المياه في لبنان عن بقية الملفات الحياتية. لا اهتمام رسمياً بالأمن المائي ولا سياسة عامة مائية تُرسي فلسفة الترشيد وتجعلها ثقافة مجتمع في بلد قيل ــ منذ نحو 15 عامًا ــ أنّه سيواجه شُحّ مياه في عام 2025. إلا أنّ أزمة الشُح تلك ربما تنطلق باكرًا هذا العام أي عام 2023 مع تدنّي معدّل المتساقطات هذه السنة. الأزمة التي ستبدو انعكاساتها واضحة وجلية على أكثر من مستوى تبدأ بتدنّي نصيب الفرد من المياه ولا تنتهي بالمشكلات التي سيواجهها المزارعون لجهة ري المزروعات.
وللأسف، أمام كافة المؤشرات غير المطمئنة في الملف المائي يبدو المسؤولون في لبنان مقصّرين لجهة وضع خطّة استباقية ولو لم تكن بعيدة المدى لتخطّي أشهر الشُح بأقل قدر من العوز. نحن هنا لا نتحدّث عن ملف “كمالي” بل نتحدّث عن مادة أساسية لا يمكن العيش بدونها. ومع ذلك، تفرُد السلطة لا مبالاتها أمام كافة الانذارات التي تشي بأنّ أزمة شح في المياه قادمة لا محالة، اذ وفقًا لبيانات سابقة فإنّ 18 دولة عربية من أصل 22 تعاني شحًا حادًا في المياه، وتعاني 10 دول منها من “إجهاد مائي” مرتفع جدًا في مقدمتها لبنان.
ماذا يُمكن للجهات الرسمية أن تفعل طالما أنّ كمية المتساقطات خارجة عن إرادتها؟. الإجابة عن هذا السؤال تبدو في الاطلاع على تجارب دول عانت شحًا من المياه ورغم ذلك تغلبت على الأزمة بتدابير تضع كل مواطن أمام مسؤولياته. العنوان العريض لهذه التدابير كان حسن الترشيد في استهلاك المياه. دول عدّة رسمت سياسات عامة وضعت فيها أولويات. على سبيل المثال، ممنوع زراعة العشب الأخضر في حديقة المنزل وفرض غرامة على كل من يقوم بهذا الفعل. الهدف من التدبير استخدام المياه لري المزروعات والأشجار المثمرة والمفيدة لا استهلاكها في إطار يُعتبر كماليا وترفيهيا. بعض الدول أجبرت المواطنين على عدم استخدام المياه لغسل السيارات على اعتبار أن هذا الأمر غير أساسي واستخدام كمية المياه يجب أن يكون في إطار آخر أكثر إلحاحًا. كما طالبت بعض الدول المواطنين بإعادة استخدام مياه الغسيل كونها غير ملوثة في أمور حياتية أخرى كري الحدائق.
دول عدة عانت من شُح المياه وطوّرت أساليب لتتعايش معها
ما سبق من نماذج يُدرجها رئيس مصلحة الأرصاد الجوية مارك وهيبة في حديث لـ”العهد”. وفق حساباته، ثمّة دول عدة عانت من شُح المياه وطوّرت أساليب لتتعايش معها، وبإمكان لبنان “نسخ” هذه الأساليب وتطبيق ما يمكن تطبيقه. يوضح وهيبة أنّ مصلحة الأرصاد الجوية كانت لديها رؤية مُسبقة مطلع العام بأننا قادمون على وضع غير مطمئن. منذ نهاية شهر كانون الثاني وبداية شباط أُنجزت دراسة كان الهدف منها إجراء مقارنة بين كمية المتساقطات في السنة الحالية والسنوات الماضية. تبين أنه منذ عام 1933 حتى 2023 ثمة 10 الى 11 عاماً كانت شبيهة حتى شهر شباط المنصرم بمتساقطات هذه السنة التي سجّلت ما دون الـ330 ملم في بيروت، فكانت الفرضيات أن هذه السنة ستكون شبيهة بالسنوات المذكورة، ما جعلنا نرجّح الحصيلة الإجمالية لهذه السنة بناء على السنوات القديمة والتي كانت أمطارها قليلة وسجلت حصيلتها النهائية ما دون الـ630 ملم في بيروت في الوقت الذي يقدر فيه متوسط مياه المتساقطات بحوالى 820 ملم تقريبًا. واذا أردنا أخذ التشابه بالسنوات كمقياس يكون التقدير بأن لا تتخطى المتساقطات حتى نهاية العام الـ600 ملم في بيروت، مع الإشارة الى أنّ بقية المناطق يفترض أن تسير بموازاة منطقة بيروت من حيث حجم المتساقطات.
وفي ما يوضح وهيبة أنّه لا يمكن قياس تجربة السنوات الـ11 القديمة بتجربة اليوم ــ وإن تشابهت في معدّل المتساقطات ــ إلا أنّ الظروف الحياتية كانت مختلفة والمياه المتوفرة كانت تكفي، لكن اليوم تغيرت الظروف وازداد حجم السكان فنحن نتحدث عن أكثر من 6 ملايين نسمة ما يعني أننا بحاجة أكثر الى المياه. تمامًا كما أنّ نسبة التلوث باتت أكبر ورصيد المياه مختلف والظروف المجتمعية والديمغرافية والبيئية مختلفة. وهنا يسأل وهيبة: لماذا لا نستفيد من الأشهر الخمسة القادمة ونعمل على ترشيد الاستهلاك خلالها لنستقبل “الصيف” دون أن نضطر لشراء المياه باكرًا؟. وفق وهيبة لا بد أن يجري العمل في هذا الصدد على صعيد وطني شامل يتم فيه وضع آلية أو استراتيجية قائمة على التوعية. برأيه، يجب أن تتولى الحكومة إرشاد الناس والمزارعين وتثقيفهم لتوفير كميات من المياه كي لا يضطر المواطن لشراء المياه باكرًا وبكميات كبيرة لأن الوضع الاقتصادي صعب وكل شيء بات “مدولرًا” والناس في منأى عن عبء وهمّ جديد يُضاف الى لائحتهم المعيشية. وفي هذا الإطار، يستشهد وهيبة بحملة التوعية التي قامت بها وزراة الطاقة والمياه اللبنانية في السابق عبر وسائل الإعلام والتي عرضت فيها للمواطنين أساليب لترشيد المياه.
شراء المياه باكرًا!
أمام واقع الشُح في المياه وغياب السياسات التوعوية للدولة، يُضاف هم جديد الى لائحة المواطن يتمثل بشراء المياه باكرًا هذا العام، وكأنّ المواطن لم يكن ينقصه سوى المزيد من الدفع في بلد تآكلت فيه الرواتب والقدرة الشرائية. أما الأسعار، فبالتأكيد ستكون “نارية” مع تحوُّل كل شيء وفق “الدولار”. مالك ما يقارب 14 صهريجًا لبيع المياه يؤكّد في حديث لموقعنا أنّ الإقبال على شراء المياه هذه الفترة من السنة يفوق بنسبة 45 بالمئة الفترة ذاتها من السنة الماضية.
وحول سعر برميل المياه، يوضح أنه يختلف من منطقة لأخرى وحتى داخل المنطقة الواحدة. في السابق كان سعر البرميل نحو دولار وفق سعر صرف 1507 ليرات، أما الآن فيبلغ حوالى نصف دولار، وفي بعض المناطق يصل سعر البرميل للدولار الواحد خاصة أن أصحاب الصهاريج يضطرون لصيانة آليتهم بالدولار ودفع ثمن المحروقات بالدولار. وهنا يتوقّع المتحدّث أن يزداد الطلب في الفترة القادمة على شراء المياه، قائلًا :” في الصيف قد لا نستطيع أن نلبّي الجميع وسط زحمة الطلبات وشح المياه”.