2022 عام “اللعب على المكشوف”
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
من المهم للغاية في نهاية كل عام، أن تكون هناك وقفة للتأمل في أبرز حوادثه، ولكن الأهم هو التأمل في دلالاتها وما بين سطورها، لأن الأحداث لا تنفصل عن سياق التفاعلات السياسية والاستراتيجية وموازين القوى وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما فيها الحوادث الفردية والجنائية بالمجتمعات، وهو ما يستوجب سلامة الوعي والقراءة المعمقة للأحداث.
ولعل الهدف من هذه الوقفات ليس الأرشفة التاريخية، ولكن الهدف هو التسلح لمواجهة الأعوام الجديدة واتخاذ العبر والاستفادة منها وتجنب الأخطاء أو التقديرات الخاطئة التي لا مفر من الوقوع بها في عالم مليء بالضغوط ويحتل الصراع عنوانه الأبرز.
هنا يمكننا عمل إطلالة سريعة على أبرز أحداث العام 2021 مع الاجتهاد في رصد الدلالات والعبر والدروس للتسلح بها في قادم المعارك مع الهيمنة والاستعمار وأعوانه.
بوجه عام يمكن وصف العام 2021 بأنه عام الإفلاس السياسي لمعسكر الهيمنة وذيوله وأعوانه، بعد استنفاد كل الحيل والمحاولات والذرائع، والتي شملت ترغيبا وترهيبا، وحاولت ارتداء الأقنعة المختلفة.
وكما يعرف في علم الاقتصاد “الإفلاس هو أن تعلن الشركة أنها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها أمام الدائنين وحينها تقوم الشركة بتصفية كل أملاكها وحساباتها البنكية لتسدد أكبر قدر ممكن من هذه الالتزامات ثم تخرج من سوق العمل”، فإنه في عالم السياسة يمكننا اعتبار أمريكا وشركة الهيمنة متعددة الفروع والجنسيات التابعة لها، قد أعلنت بطرق مختلفة بعضها صريح، وبعضها غير مباشر، أنها لا تستطيع الوفاء بالتزامات الهيمنة وقامت بتصفية عدد من الفروع وتستعد للرحيل عن سوق النفوذ التقليدي في مواطن عديدة، وهو ما يستتبعه إفلاس عدد من تجار العمالة والتبعية، إما بفعل غياب التمويل، أو بفعل غياب حماية قوافل التهريب والبضاعة غير المشروعة للخونة والعملاء.
العام 2021 والذي أبى إلا أن يكشف، في أيامه الأخيرة، هجوم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على نتنياهو والذي كان أقرب حلفائه، قائلا: “اللعنة عليه”، هو عام يكشف كم كانت سذاجة المراهنين على تحالف ترامب ونتنياهو، باعتباره الحلف الذي سيخلصهم من “صداع المقاومة”، وسيفتح أبواب الهيمنة على مصاريعها لكل العملاء والتابعين وأعداء المقاومة.
وها هم المراهنون يرون تشاتما وصبًا للعنات، ورغم ذلك دخلوا في رهانات جديدة على تحالف بايدن – بينيت!
في هذا العام يمكننا أن نستعرض أبرز الحوادث مع استخلاص للعنوان الأبرز لها، كما يلي:
1- في اول يناير/ كانون الثاني، تم تطبيق اتفاقية التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعد خروج الأخيرة رسمياً من الاتحاد الأوروبي بعد قرار انسحابها سنة 2016 المعروف بالبريكست، وهي اتفاقية لا تعني تدشينا لمسار بقدر ما تعني نهاية مسار سابق تقيدت به المملكة المتحدة بمعايير أوروبية حالت دون الكشف عن وجهها الاستعماري الصريح، وها هو العام يختتم بتسليم المملكة المتحدة أسانج إلى أمريكا، بعد قبول محكمة بريطانية استئناف امريكا على حكم عدم تسليمه.
وهو ما يعني أن القضاء مسيس، من جهة، وأن بريطانيا تحررت من قيود المعايير ودشنت الحلف الانجلو ساكسوني التقليدي مع أمريكا واستراليا والذي توج في 16 سبتمبر/ أيلول بالإعلان عن اتفاقية أوكوس الأمنية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
2- في 5 يناير/ كانون الثاني، اجتمع قادة ورؤساء وفود القمة الخليجية في العلا في السعودية للتوقيع على وثيقة مبادئ تؤسس لإنهاء الأزمة الدبلوماسية مع قطر التي استمرت لأكثر من ثلاثة أعوام، وها هو العام يختتم بجولة لولي العهد السعودي في دول الخليج ولقاء حار مع امير قطر وبيانات مشتركة حول لبنان وسلاح المقاومة!
3- في ابريل/ نيسان، تم شن حملة اعتقالات في الأردن شملت حسن بن زيد (من الأسرة المالكة) ورئيس الديوان الملكي السابق، وتوسط الأمير الحسن بن طلال لفك الإقامة الجبرية عن ولي العهد السابق حمزة بن الحسين، وذلك في محاولة انقلاب أشارت الأصابع بها للسعودية والخليج وشهدت المحاولة رفضا أمريكيا ومساندة كبيرة من بايدن للملك عبد الله.
والدلالة هنا هي الخوف من أي مغامرات تخص القضية الفلسطينية، وهو دعم للتقارير والتوصيات والتحليلات الأمريكية التي أفادت بتفضيل بايدن للمحور التقليدي للتعاطي مع القضية الفلسطينية وهو محور مصر الأردن، وعدم قناعته بجدوى صدارة المحور التطبيعي الجديد، وتفضيل سياسة اللعب على المكشوف.
4- شهد شهر مايو حدثا يمكن أن يمثل الحدث الأبرز في العام، وهو معركة سيف القدس، والتي هزت الكيان الصهيوني هزة وجودية وأظهرت مدى وهنه وهشاشته وضعف جبهته الداخلية أمام صواريخ المقاومة والتي تعد بدائية بالمقارنة مع ما تخفيه وبالمقارنة مع الصواريخ الدقيقة والباليستية التي يمتلكها محور المقاومة.
كما أظهرت مدى اهتراء وتراجع الحماية الامريكية للصهاينة بحكم التوازنات لا بحكم المبادئ، وأظهرت الجولة مدى صحة الرهان على خيار المقاومة وأنها ليست شعارا أو وهما.
والدلالة هنا هي أن الالتباس الذي حاول الأعداء غرسه في الأمة بشأن المقاومة والتفاوض وجدوى كل منهما، قد انتهى أمره وثبتت صحة خيار المقاومة، وأن اعداءها هم أعداء الشعب الفلسطيني بعد فرز مواقفهم فرزا يصبح معه اللعب على المكشوف!
5- في 15 أغسطس/ آب استعادت حركة “طالبان” السيطرة على أفغانستان وهرب الرئيس أشرف غني من البلاد وانسحبت أمريكا بشكل مخز، وتركت أصدقاءها وعملاءها فريسة وتم دهس من تعلق بعجلات الطائرات الأمريكية التي فرت في مشهد تاريخي مشابه لمشهد الانسحاب من فيتنام.
وهي دلالة مباشرة على حتمية هزيمة وانسحاب امريكا وغيرها أمام مقاومة الشعوب وعدم توفير الغطاء الآمن للاستعمار، ودلالة مباشرة على إظرة أمريكا الدونية لعملائها وغدرها بهم.
6- في 24 اغسطس/ آب، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب، وجاءت الخطوة بعد تمادي المغرب في التطبيع مع العدو ومحاولة الاستقواء به في القضايا الحساسة والعبث بموازين الأمن المغاربي، وهي قنبلة موقوتة قد تنشب على إثرها حرب جديدة في هذه البقعة التي ترقد على فوهة بركان.
7- في 10 سبتمبر/ أيلول تم إعلان تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، وذلك بعد مرور ما يزيد عن العام على استقالة الحكومة السابقة، ولا تزال الأوضاع متماثلة مع وضع الفراغ السياسي، وشهدت الحكومة اختبارا لإرادتها بعد الأزمة السعودية المفتعلة مع الوزير جورج قرداحي، وقد جاءت نتيجة اختبار الارادة السياسية كما رأى الجمهور!
8- تخلل العام أحداث تونس والسودان وليبيا، والمشترك بينها هو الإعلان عن إنهاء حقبة ما يسمى “الربيع العربي”، وأدبياته ونتائجه والرهانات عليه، وتزامنت مع ذلك محاولات إماراتية للتقارب مع سوريا وإيران، وكلها تصب في سياق مفاده هو التخلي عن أدبيات الربيع المزعوم واللعب المباشر على المكشوف!
لا شك أن تعميق الاستفزازات للروس والصين في محيطهما الحيوي، ودفع جميع الملفات لحافة الهاوية وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، هو عودة صريحة لسياسات الحرب الباردة وتحالفاتها، وهو ما يعلن أن العام 2021 شهد إفلاسا للسياسات الملتوية وللتعاطي عن طريق الذرائع، ليصبح معه العام 2022 عاما للعب على المكشوف وقد يشهد حسما تاريخيا لمعظم الملفات الدولية المعلقة.