«14 آذار» والتداعيات الخطيرة
صحيفة البناء اللبنانية ـ
نور الدين الجمال:
السقوط المدوي لفريق «14 آذار» بعد محاولة «غزوة» السراي الفاشلة التي تحوّلت إلى فضيحة، أدى إلى تصعيد الخلافات وموجة تبادل الاتهامات داخل هذا الفريق إلى درجة يرى فيها مصدر سياسي مطلع أن تداعيات ما بعد «غزوة» السراي تبدو خطيرة وتهدد مصير «14 آذار» من أساسه. وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: يأخذ التمايز الكتائبي مداه الأبعد ويبدو واضحاً وفق المعلومات أن الرئيس أمين الجميل الذي فوجئ بصيحات اقتحام السراي الحكومية ومن بعدها فوراً قرار المعارضة بمقاطعة الحكومة واجتماعات اللجان النيابية، يعتبر أن هناك صبيانية في التعامل مع القضايا الكبيرة التي لا يجوز فيها مثل هذا السلوك، وعلى الرغم من حرص الكتائب على عدم تسريب أية أجواء إعلامية حول حقيقة الخلافات التي تخطت هذه المرة الأمانة العامة التي يقودها فارس سعيد إلى مجموعة القيادة المشتركة بين حزبي «المستقبل» و«القوات»، التي تضم سمير جعجع وكلاً من الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة.
وفي التوقعات السياسية أن الرئيس الجميل يتجه إلى مواصلة التمايز بهدوء والاقتراب أكثر إلى الوسطية التي يعبّر عنها كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط. وإذا كان الموقف الكتائبي من الأحداث السورية شكّل بداية هذا التقارب فإن رفض السلبية ومقاطعة الحوار وشل عمل المجلس النيابي هو الخيار الحقيقي الذي تهمس به الدوائر المقربة من الرئيس الجميل الذي حافظ على صلات وثيقة برئيس مجلس النواب نبيه بري في ذروة الانقسام الذي شهدته البلاد، وهو مقتنع بعدم جدوى الكلام عن العصيان المدني وغيره من الرسائل ومقتنع أكثر بأن مقاطعة الحوار موجهة ضد رئاسة الجمهورية وهي تمثل خطة تصعيدية تنسف ما سبق أن حققته العلاقة بين فريق «14 آذار» وقصر بعبدا من تقارب.
ثانياً: بدا واضحاً من المواقف الغربية الداعمة لاستمرار الحكومة رغم محاولة السفيرة الأميركية كونيللي تطييب خاطر الرئيس الحريري بتصريحات لاحقة تركز على أهمية التوافق على حكومة وفاق وطني، إلا أن الحصيلة واضحة وهي دعم استمرار حكومة الرئيس ميقاتي لتحمّل مسؤولياتها إلى أن تنضج ظروف تشكيل حكومة جديدة بالتوافق، مع العلم أن الموقف الأميركي ومعه الأوروبي يرجع إلى أن ما يحصل عليه الغرب من هذه الحكومة وفي ظل بقائها هو أقصى ما يمكن أن يحصل عليه من المعادلة اللبنانية، بينما يخشى في حالة الفراغ من حدوث تطورات ميدانية وسياسية تققده ما تبقى له من نفوذ وتحاصر آخر معاقل وجود فريق «14 آذار»، وهو ما سبق أن نبّه منه السفراء الغربيون الذين يشيدون بحكمة النائب جنبلاط منذ أن بدأت تظهر في فضاء المنطقة ملامح الاعتراف الغربي بالفشل في سورية، فخطة التصعيد وضعت سابقاً وبنيت على فرضية نجاح الغرب في ضرب سورية، ولذلك فقوى «14 آذار» تحاول تنفيذ خطة ولّى زمانها وتبدلت ظروفها ولا وقت عند الغرب لتحمل الدلع السياسي الذي يمارسه بعض زعماء «14 آذار»، فالملفات الكبرى المتداخلة في الوضع اللبناني لها أولويات أهم تتعلق بالوضع العالمي والعلاقة مع القطبين الروسي والصيني ومستقبل العلاقة مع الإيراني.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مناخ المطابخ الأميركية والأوروبية هو التحضير بعد رأس السنة الجديدة لمرحلة عنوانها التفاوض مع إيران والاعتراف بالفشل في سورية، وهاتان الخطوتان لهما انعكاس لبناني ولهما كلفة سياسية سيترتب على فريق 14 آذار أن يدفعها.
ثالثاً: في تقدير المراقبين والسياسيين أن محاولة «غزوة» السراي كشفت حجم الانكفاء الشعبي عن «14 آذار» وعن تيار «المستقبل» بشكل خاص بينما تدخل هذه القوى مأزقاً خطيراً عبر توهم زعمائها بإمكانية الذهاب إلى العصيان المدني، فمن الواضح أن الطرق مسدودة سياسياً أمام هذا الاحتمال، وفي حين أن الحوار معطل بسبب المقاطعة فالحكومة باقية ومستمرة وتؤكد عبر اجتماعاتها وحركة رئيسها التصميم على مواصلة العمل الذي لن تعطله مقاطعة فريق «14 آذار».
رابعاً: النتيجة الوحيدة التي يعوِّل عليها أركان «14 آذار» عبر التصعيد هي تعبئة وحشد ما تبقى من أنصار، ولكن حالة التعب التي أصابت جمهور تيار «المستقبل» ورفض التصرفات الميليشياوية التي ظهرت على الأرض أكثر من مرة مرشحة للتفاقم وبالتالي قد يصل تجمع «14 آذار» إلى الانتخابات النيابية مستنزفاً بدلاً من زيادة شعبيته، ويبقى السؤال الطبيعي والموضوعي في هذه الحالة من ينقذ «14 آذار» من المأزق الذي تعيشه خصوصاً بعد فشلها في «غزوة» السراي الحكومية التي وصفها البعض بالانقلاب الفاشل؟!