110 مليارات دولار دين الدولة العام في لبنان

lebanon-central-bank

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
محمد وهبة:

تختلف طريقة حساب الدين العام بين جهة وأخرى. الجهات المعنية في لبنان تركّز على الدين الحكومي الذي بلغ 68.7 مليار دولار في نهاية أيلول، لكن دين الدولة يتجاوز 110 مليارات دولار، وهو يعادل 230% من الناتج المحلي الإجمالي. يشمل دين الدولة، ديون الخزينة ومصرف لبنان، أما أخطر ما فيه، فهو أن 55% منه بالدولار، و31% يحملها مصرف لبنان!

قبل يومين، أصدرت جمعية مصارف لبنان نشرتها الشهرية، التي تشمل سلسلة من الإحصاءات النقدية والمالية والاقتصادية. هذه النشرة، تشير إلى أن الدين العام الحكومي بلغ في نهاية أيلول 68.7 مليار دولار، أي بزيادة قيمتها 2.14 مليار دولار مقارنة بنهاية كانون الأول 2014، وبزيادة قيمتها 4.7 مليارات دولار مقارنة بالدين المسجّل في كانون الثاني 2014.

يتوزّع الدين العام الحكومي تبعاً للعملة الصادر بها ولهوية حامليه؛ الدين العام (الحكومي) بالعملات الاجنبية يمثّل 38.1%، والدين العام بالليرة اللبنانية يمثّل 61.9%. أما حاملو هذا الدين العام، فهم على النحو الآتي:

ــ يحمل مصرف لبنان نحو 22896 مليار ليرة، أو ما نسبته 35.7% من الدين المحرّر بالليرة اللبنانية، فيما تحمل المصارف نحو 47.5% من الدين المحرّر بالليرة، والمؤسسات العامة 16.8%.

ــ أكثر من 91% من الدين المحرّر بالعملة الأجنبية هو سندات يوروبوندز، علمأً بأن غالبيتها محمول من المصارف اللبنانية.

طريقة حساب الدين العام الحكومي هي طريقة ضيّقة الأفق، وتعدّ بمثابة عملية «تجميل» للحسابات الحقيقية عن الدين العام وعن مخاطره. الصورة الحقيقية عن وضعية الدولة هي في حساب كل الديون المترتبة على الخزينة وعلى مؤسسات الدولة، وهو أمر لا تقوم به الدولة أو جمعية المصارف أو مصرف لبنان أو أي جهة أخرى، بل يقوم به بعض الخبراء بصورة إفرادية وبمبادرة شخصية حصراً. تقديرات الخبير في الشؤون المالية توفيق كسبار أن دين الدولة، أو ما يمكن تسميته «ديون القطاع العام»، بلغ 110 مليارات دولار في أيلول 2015، 55% منه، أو ما يوازي 60 مليار دولار، هو دين بالعملات الأجنبية.

هذا الحساب يشمل ديون مصرف لبنان وكل المتأخرات التي لم تدفعها الخزينة، سواء كانت للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (1.06 مليار دولار)، أو للمتعهدين والمقاولين (200 مليون دولار)، أو للمستشفيات (65 مليون دولار) وسواها… الأهم في هذه المعادلة هو الديون على مصرف لبنان (مصرف الدولة)، الناتجة من إصدار شهادات إيداع بالليرة وبالدولار. قيمة الشهادات بالليرة تساوي 21.2 مليار دولار وفق نشرة جمعية مصارف لبنان، في مقابل شهادات بالدولار تصل إلى 34 ملياراً وفق مصادر مصرفية مطلعة.

المهم، أن دين الدولة الذي يحتسب بعد حذف قيمة سندات الخزينة التي يحملها مصرف لبنان (الدين الحكومي يبلغ 68.7 مليار دولار ــ سندات خزينة بالليرة يحملها مصرف لبنان وتعادل 15.1 مليار دولار = 53.5 مليار دولار)، وتضاف إليها قيمة شهادات الإيداع وباقي المتأخرات ليصبح المبلغ الإجمالي للدين 110 مليارات دولار (53.5 مليار دولار + 21.2 مليار شهادت إيداع بالليرة + 34 مليار دولار شهادات إيداع بالدولار + 1.06 مليار للضمان + 200 مليون للمقاولين و65 مليون للمستشفيات).

المقلق في هذا الأمر أن أكثر من نصف دين الدولة صار بالدولار، فضلا عن أن مصرف لبنان يحمل ثلثه بصورة مخفية فلا يكشف عن الأرقام ولا ينشرها ولا يظهر مدى قدرته على مواجهتها… فالنظام المالي في لبنان مصمم للاعتماد بصورة أساسية على التدفقات الخارجية لتمويل ديونه وخدمتها وتمويل العجز في المبادلات التجارية مع الخارج. النظام القائم ينتج يدا عاملة مهاجرة بحثاً عن العمل لترسل أموالاً إلى لبنان، وهو ما يعرف بتحويلات المغتربين التي تقدّر بنحو 7.5 مليارات دولار وفق تقديرات البنك الدولي. القناة الأساسية لهذا النموذج هي المصارف، وعبرها يعاد توزيع الأموال في عدد من الاتجاهات؛ في اتجاه الاحتياط الالزامي والتسليفات لمؤسسات القطاع الخاص والاسر والقطاع العام. يوظّف القسم الأكبر منها في الدين العام، سواء جرى تحويلها إلى الليرة أم بقيت بالدولار، وسواء جرى الأمر مباشرة بين المصارف والدولة، أو سواء اشترت المصارف شهادات إيداع من مصرف لبنان في مقابل شراء مصرف لبنان سندات خزينة الصادرة عن الدولة اللبنانية.

في هذا السياق تبرز مجموعة من الأسئلة: ما هي مخاطر هذا الدين وخصوصاً الدين بالعملات الأجنبية؟ ما هي المؤشرات الفعلية على المخاطر الناتجة عن استمرارية هذا النظام؟

رغم قدرة هذا النظام، إلا أنه لا يمكن استبعاد المخاطر التي تحيط بديون الدولة وهشاشتها وتأثيرها على الاستقرار النقدي والمالي. أبرز المؤشرات على هشاشة الدين ومخاطره الناتجة عن التذبذبات السياسية، هي صافي الاحتياطات بالعملة الأجنبية الموجودة لدى مصرف لبنان. الميزانية المختصرة لمصرف لبنان تشير إلى أن الموجودات بالعملات الأجنبية لديه تبلغ 38.5 مليار دولار. هذا الرقم يحتوي على الاحتياط الالزامي المستحق على المصارف، ويقدّر بنحو 24.6 مليار دولار، ويحتوي ايضاً على شهادات الإيداع (بالليرة وبالدولار) أي ما قيمته 55.2 مليار دولار. النتيجة تكون أن الاحتياطي الصافي بالعملات الاجنبية يسجّل عجزاً بقيمة 41.3 مليار دولار. كذلك يظهر بوضوح أن نسبة الموجودات الأجنبية (لدى المصارف ومصرف لبنان) مقارنة بالمطلوبات الخارجية الخارجية (تظهر لدى المصارف)، تتدنى يوماً بعد يوم، فالموجودات كانت تمثّل 38% من المطلوبات في 2008 وصارت اليوم 29%، ومسارها المنحدر متواصل بسبب استمرارية النظام. أيضاً، يمكن مقارنة الموجودات الأجنبية الإجمالية مقارنة بالمطلوبات القصيرة الأمد ولا سيما سندات اليوروبوندز وشهادات الإيداع بالدولار، وهي الأخرى تظهر المزيد من الهشاشة أيضاً… أي مقارنة بين مطلوبات لبنان الخارجية وموجوداته ستكون نتيجتها سلبية سواء في التراجع على المدى الزمني أو في النتيجة المعبرة عن العجز.

تكوين هذه الصورة عن حسابات الدولة أمر حسّاس جداً، فالدين الحكومي يمكن خفضه أو السيطرة عليه من خلال خطوات تقوم بها الدولة. الا إن مشكلة دين الدولة العام تكمن في كون أكثر من نصفه مرتبط بضمان استمرار التدفقات بالعملات الأجنبية، والتي كلما تدفقت أدّت إلى زيادة كلفة خدمة الدين، أي إنه دين يزداد باضطراد خارج حاجات الموازنة. في هذا المجال يبرز دور مصرف لبنان، إذ إن هناك إجماعاً في الأسواق على أن أسعار الفائدة في لبنان تحدّدها شهادات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان، وهي ليست خاضعة للسوق بصورة نهائية، وهي التي توفّر الأرباح الكبيرة للمصارف. وبحسب نشرة جمعية المصارف فإن أسعار الفائدة على ودائع الدولار تبلغ 3.17%، فيما تبلغ الفائدة على التسليفات 7.13%، علماً بأن مصرف لبنان والجمعية يمتنعان عن نشر أسعار الفائدة على شهادات الإيداع بالدولار، إلا أن التقديرات تشير إلى أن السعر بحدود 9%، وهو كان أعلى في السنوات الماضية. لذا، يبرز سؤال اساسي: من يحدّد الفرق بين سعر الفائدة على شهادات الإيداع بالدولار، وسعر الفائدة على الودائع؟ أليس هذا الأمر أساسياً بالنسبة لتضخيم كلفة خدمة الدين العام؟

طبعاً، لا مجال لتعداد المخاطر والانعكاسات المتعلقة بالاستدانة بالدولار. ولعل المعيار الاهم في النظر الى هذه المخاطر يكمن في وظيفة الدين نفسه، ولا سيما ان جلّه ليس مخصصا للاستثمار في البنى التحتية وخلق الاصول، اذ بالاستناد الى نفقات عام 2015، لا تتجاوز حصة الانفاق الاستثماري 1850 مليار ليرة (1.2 مليار دولار) أو ما يوازي 8% فقط من النفقات العامة. ويأتي هذا الأمر في ظل اهتراء شبه كامل في البنية التحتية، وفي ظل إنفاق اجتماعي يمر بقنوات الزبائنية حصراً؛ فلا كهرباء ولا ماء وصرف صحي ولا طرقات ولا تنظيم… وفي المقابل، يبقى النظام ويستمر!

[ad_2]

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.