يوم المفاوضات الحكومية الطويل «8 ـ 8 ـ 8» المخصّبة تتقدم.. بحذر
انتهى اليوم الطويل من الاتصالات والاجتماعات أمس الى «اختراق» أولي في أزمة تأليف الحكومة، لم يرتق بعد الى مرتبة التسوية، في انتظار استكمال المفاوضات التي لا تزال تنتظرها شياطين كثيرة تكمن في التفاصيل.
ويمكن القول إن معالم «الحلحلة» المبدئية ارتسمت على الشكل الآتي:
ـــ لقاء «نصف ناجح» بين الرئيس ميشال سليمان و«الخليلين» (الوزير علي حسن خليل والحاج حسين الخليل)، أتاح منح خيار الحكومة السياسية الجامعة جرعة إضافية من «أوكسيجين الوقت»، لكنه لم يُسقط كلياً احتمال حكومة الامر الواقع التي لا تزال موجودة على مقاعد الاحتياط في قصر بعبدا.
ـــ اختراق تدريجي تحققه فكرة تدوير الزوايا في معادلة 8 ــ 8 ــ 8 التي جرى تخصيبها سياسياً، على قاعدة ضم وزير شيعي غير استفزازي وغير نافر الى حصة رئيس الجمهورية، يكون متوافقاً عليه ضمناً مع الرئيس نبيه بري و«حزب الله»، بحيث يصنّف في خانة «الوزير التوافقي»، على ان يُجيّر في موازاة ذلك وزير مسيحي لحساب العماد ميشال عون من أجل معالجة مسألة التمثيل المسيحي وتوازناته.
ـــ عودة نادر الحريري الى بيروت حاملاً معه «موقفاً إيجابياً» من الرئيس سعد الحريري حيال صيغة 8 ــ 8 ــ 8.
وقالت أوساط واسعة الإطلاع لـ«السفير» ليلاً إن الكوة التي فُتحت في جدار الازمة سمحت بمرور بصيص أمل في إيجاد تسوية حكومية، لكن من السابق لأوانه رفع سقف التوقعات، مشيرة الى ان تثبيت مبدأ الحكومة السياسية ومن ثم الاتفاق على المداورة في الحقائب يحتاجان الى بذل جهود إضافية.
واعتبرت الاوساط أن تنازلات متبادلة سمحت بتطوير النقاش حول الحكومة المفترضة، بعدما تخلت قوى «8 آذار» عن التمسك بمعادلة 9 ــ 9 ــ 6 ووافقت على 8 ــ 8 ــ 8 مطورة، ولاقاها «تيار المستقبل» بإبداء موقف إيجابي حيال الـ 8 ــ 8 ــ 8، مرجحة أن يكون كل فريق بصدد تبرئة ذمته ورفع المسؤولية عنه، في حال تطورت الامور لاحقاً نحو الأسوأ.
وأشارت الاوساط إلى أن جزءاً من سباق الملف الحكومي مع الوقت لا ينفصل عن استحقاق مؤتمر جنيف ــ 2 الذي دُعي لبنان اليه، معتبرة أن هناك رابطاً بين المهل الزمنية التي وُضعت للمساعي التوافقية وبين موعد المؤتمر ومن سيمثل لبنان فيه، ما يعني أن الايام العشرة المقبلة ستكون حافلة بالمشاورات في الشأن الحكومي.
وكانت أقنية المفاوضات قد اكتسبت خلال الساعات الماضية زخماً قوياً، فزار المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل الرئيس ميشال سليمان الذي التقى بدوره الرئيس المكلف تمام سلام وأوفد مستشاره خليل الهراوي الى الرئيس فؤاد السينورة، فيما أبقى النائب وليد جنبلاط خطوطه مفتوحة مع «تيار المستقبل» و«أمل» و«حزب الله» من خلال الوزير وائل ابو فاعور، فيما التقى نادر الحريري الرئيس سعد الحريري خارج لبنان.
وعلمت «السفير» أن «الخليلين» أبلغا سليمان التمسك بتشكيل حكومة سياسية جامعة، لا تقصي أحداً، على أن يتمثل فيها كل طرف وفق الحجم الذي يستحقه. ولفت «الخليلان» انتباه سليمان الى أن الاستحقاق الرئاسي بات قريباً، والحكومة التوافقية هي الوحيدة التي تستطيع مواجهة أي فراغ وتشكيل الضمانة الوطنية في حال تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها.
وعُلم أن سليمان أكد أنه سيعطي كل الفرصة للحكومة الجامعة، لكنه امتنع عن الالتزام بعدم التوقيع على مرسوم «الأمر الواقع»، مشيراً الى انه إذا تعذر التفاهم على حكومة سياسية فإنه سيكون مضطراً، والرئيس المكلف، الى اتخاذ القرار المناسب. وتوجّه الى «الخليلين» بالقول: في حال لم نتمكن من التوصل الى صيغة توافقية، سأكون مُلزماً بأن أفعل شيئاً..
وشدد سليمان على انه لا يؤيد خيار التحدي والعزل، لكنه لفت الانتباه الى انه سبق له ان وقّع على مرسوم حكومة اللون الواحد للرئيس نجيب ميقاتي، فردّ «الخليلان» بلفت انتباه سليمان الى ان الظروف والمعطيات اختلفت بين الامس واليوم، والازمة السورية كانت في بداياتها آنذاك.
ونبّه «الخليلان» الى محاذير حكومة الامر الواقع وما يمكن ان تتركه من تداعيات على الوضع الداخلي والاستحقاق الرئاسي، وأكدا انها تخالف اتفاق الطائف، فردّ رئيس الجمهورية بالإشارة الى انه لطالما كان يسعى الى الحكومة الجامعة وسيواصل مساعيه في هذا الإطار، «لكن ليس لوقت طويل، لانه لا يمكنني ان أترك البلاد بلا حكومة مدة اطول، وقبل نهاية الشهر يجب ان تكون الحكومة قد شكلت».
وأكد سليمان حرصه على اتباع كل مراحل الآلية الدستورية وعدم حرق المراحل، بحيث يتم تشكيل الحكومة ثم يوضع البيان الوزاري وبعد ذلك تمثل الحكومة امام المجلس النيابي في امتحان الثقة، مشدداً على انه لا يحبذ فكرة السلة الكاملة التي تقترح التفاهم على مضمون البيان الوزاري قبل التأليف.
وقالت مصادر قصر بعبدا لـ«السفير» إن سليمان ليس معنياً وحده في تحديد موقف من أي تدوير مقترح لزوايا 8-8-8، وبالتالي فهو لا يستطيع أن يتجاوز الرئيس المكلف في هذا الامر، ولا بد من التشاور معه بهذا الصدد. وقالت: إن مفتاح تدويرالزوايا لا زال بيد الرئيس بري، والمهم اننا انتقلنا الى اطار جديد من البحث يمكن البناء عليه.
وأوضحت المصادر أن اجتماع سليمان مع «الخليلين» كان ودياً وصريحاً، مشيرة الى ان رئيس الجمهورية لا يزال يعطي الاولوية للحكومة الجامعة، وهو لا يمانع ضم «حزب الله» الى الحكومة، لكنه رفض إعطاء ضيفيه التزاماً بعدم تأليف «حكومة حيادية او واقعية» إذا تعذر ان تكون جامعة، لانه لا يستطيع ان يبقى مكتوف اليدين في هذه الحال.
ولفتت مصادر بعبدا الانتباه الى ان ما تحقق حتى الآن هو تقدم مبدئي يتصل بموافقة قوى «8 آذار» على معادلة 8-8-8 مع تدوير الزوايا، بعدما كانت تعارضها في السابق، لكن لا شيء نهائياً بعد.
وقال الرئيس بري لـ«السفير» إن أجواء اللقاء بين الرئيس سليمان و«الخليلين» كانت جيدة، «لكن لا نستطيع ان نقول شيئا نهائيا بعد على قاعدة «ما تقول فول حتى يصير في المكيول».
ولفت الانتباه الى ان هناك مسعىً لتدوير الزوايا من أجل تشكيل حكومة توافقية وجامعة، وكل الجهد المبذول حالياً يصب في هذا الاتجاه، إنما تبقى الامور في خواتيمها.
وأكد ان الاتصالات مستمرة على أكثر من خط، وسيحصل المزيد منها خلال الساعات المقبلة، موضحاً أن النائب جنبلاط يساهم بقوة في المشاورات الجارية للوصول الى حكومة توافقية، لا تستثني أحداً، «وأنا أتعاون معه ومع الآخرين لإيجاد مساحة مشتركة، تسهل الولادة الحكومية».
واستغرب بري اتهامات البعض في «14 آذار» له بأنه يتصرف بشكل يخدم «حزب الله»، قائلاً: أنا أخدم لبنان، وبالتالي فأنا مستعد للتعاون مع الجميع بغية تحقيق الإنقاذ المنشود.
وكرر رفض عزل أي طرف في «8 و14 آذار»، او فوقهما او تحتهما او حولهما، مشدداً على أن أحداً لا يستطيع في لبنان أن يعزل الآخر. وتوقف عند بعض الإشارات الإيجابية التي صدرت عن شخصيات في «تيار المستقبل» حول رفض العزل، مشيراً الى ان «هذا الامر جيد، وانا اريد ان أبني عليه».
وبعد لقائه سليمان، قال سلام لـ«السفير» إن هناك حاجة الى فرصة لأيام وربما ساعات قليلة قبل اتخاذ القرار. وأضاف: نحن نطرح حكومة حيادية بعد تسعة أشهر على التكليف، أما إذا توافقت القوى السياسية على تشكيل الحكومة فيكون ذلك من اسعد اللحظات عندي، مشيراً الى ان «فريق ٨ آذار» أبدى استعداداً ورغبة في التعاون، ونحن رحبنا.