وهم “الناتو العربي”: هل تنضم مصر إليه؟
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
ينبغي النظر إلى مشروع الحلف المزمع إقامته تحت عنوان “الناتو العربي” على أنه تحالف سياسي بالدرجة الأولى، ومن النوع الدعائي أيضًا، وليس تحالفًا عسكريًا يترتب عليه انقلاب في الموازين والمعادلات، كما ينبغي النظر إليه على أنه تحالف من موقع الدفاع لجموع من الخائفين والمأزومين، وليس تحالفًا للهجوم من موقع القوة الفائضة.
وما يجعلنا نقول ذلك هو عدة أمور:
1- ليست هناك حاجة لابتداع قوة مشتركة تقودها أمريكا لصالح العدو الاسرائيلي، حيث توجد بالفعل القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” والتي انضم اليها العدو الصهيوني مؤخرا بعد قرار أصدرته وزارة الحرب الأميركية “البنتاغون” قبيل أيام من مغادرة الرئيس السابق دونالد ترامب البيت الأبيض، بنقل المسؤولية عن التوظيف الإقليمي للجيش الإسرائيلي من “القيادة الأميركية لأوروبا” المعروفة باسم “يوكوم” إلى “سنتكوم”.
وهو ما يعني كسر المحاذير التي أعاقت انضمام العدو الصهيوني لهذه القيادة والتي لخصها في السابق الجنرال “نورمان شوارتسكوف”، القائد الثالث لـ”سنتكوم”، في سيرته الذاتية بالقول إن هذا الوضع المضطرب بوجود “اسرائيل” في قيادة أوروبا بدلًا من الشرق الأوسط هو بسبب الوجدان القومي العربي وموقفه من “إسرائيل”.
ولا شك أن كسر هذه المحاذير كان على خلفية التطبيع المجاني واهتراء الوضع العربي والتسابق إلى عار التطبيع والتعاون مع العدو.
2- يعكس الإعداد لهذا التحالف مع وجود قيادة “سنتكوم” أن أمريكا لا تنوي التورط المباشر في أي مواجهة ضد إيران وأنها لا تنوي الإنفاق على جهود المواجهات أو تمويلها، بل توكل الأمر لدول المنطقة وتسلم “اسرائيل” مسؤولية هذه القيادة.
3- في غياب دعم أمريكي مباشر فإن العدو ومن يتحالف معه يعلم أن المواجهة هي سياسية واستخباراتية ودفاعية وليست مواجهة حربية وهو ما عكسته التصريحات الإيرانية التي هاجمت إشراك العدو في قيادة “سنتكوم” وتجاهلت الحلف المزمع إقامته تحت عنوان “الناتو العربي” حيث لن يقدم جديدا على مستوى التواطؤ والتعاون مع العدو.
وهنا يمكننا الولوج لمناقشة هذا التحالف وهل هو بالفعل حلف عسكري على غرار “الناتو” أم هو اصطفاف سياسي دعائي للملمة أذناب أمريكا وتوفير الحرج على بايدن في زياراته ولقاءاته مع أنظمة تعهد انتخابيًا بعدم دعمها، ووجد نفسه مضطرًا للتعاطي معها لمواجهة روسيا وأولويته الأولى المتمثلة في إفشال بوتين وفي انقاذ أسعار الطاقة وقطع الطريق على انفراط عقد التبعية لأمريكا في أوروبا والشرق الأوسط.
مبدئيا، فإن حلفًا للدفاع المشترك يتبنى حربًا عند تورط أي طرف فيه في الحرب، هو أمر غير قابل للتحقق، ولعل العدو هو أول رافض له حيث لا يدخل معارك لا يتحكم في مكانها وزمانها، ناهيك عن عدم استعداده القتالي الذي فضحته التقارير، وآخرها ما يتعلق بخطابات قادة الكتائب عقب المناورات والتي رفعت فيها تقديرات حول عدم استعداد الجنود، وما تبع ذلك من فشل طائرات F-35 في اصابة أهدافها بدقة وسط حضور بينيت وقيادات الجيش، حيث وصف الأمر بأنه فشل في دقة الإصابة وبالتالي فشل عام وسط معارك تتطلب إصابة أهداف دقيقة كالمدفعية والآليات العسكرية.
كما أن حلف من هذا النوع يتطلب مشاركة جيوش عربية إلى جانب العدو في حرب مع محور المقاومة وهو ما لا يمكن التحكم في ضبطه وضماناته ولا سيما مع جنود تحمل عقيدة قتالية راسخة بالعداء مع “اسرائيل”، ولا تزال تشتبك مع العدو في حوادث متعددة شكلت أزمات في العلاقات بين بلدانها والعدو وتم احتوائها بصعوبات بالغة.
ولعل الأعين كلها تتطلع هنا إلى أكبر الجيوش، وهو الجيش المصري، حيث لا معنى لحلف كهذا دون مصر، ويعلم المخططون جيدًا أن رفض مصر للانضمام لحلف كهذا يجعل منه مجرد تحالف سياسي دعائي. فهل تستطيع مصر الانضمام لناتو عربي؟ وهل يستطيع الجيش المصري أن يقاتل جنبا إلى جنب مع العدو؟
ما نعلمه على وجه اليقين من تقارير معلنة ومن مصادر موثوقة خاصة، أن مصر رفضت الانضمام لتحالف عسكري مواجه لروسيا والصين وإيران، وذلك حتى نهاية فترة ترامب، وأن الوزير سامح شكري قدم تصورا للبيت الأبيض بصعوبة انخراط مصر في هكذا تحالف.
ولكن يتجدد السؤال مرة أخرى بسبب المستجدات بعد الحرب في أوكرانيا والأزمات الاقتصادية الطاحنة، وضغوط بايدن غير المسبوقة، وكذلك زوال عدة أسباب كانت وراء الرفض المصري منها الانقسامات العربية، والتي زالت بعد مصالحات مع قطر وبعد انضمام العدو رسميا لقيادة سنتكوم.
هنا يمكننا اتباع عدة مؤشرات، وكذلك تحليل عدة معطيات، وكلاهما يشي بصعوبة انضمام مصر لهكذا حلف، ويرجح اتباع مصر لمسار وسيط.
أولًا: هناك مؤشر يعرفه المصريون جيدا عند محاولة ترجيحهم لأي خطوة يقبل عليها النظام، وهو مراقبة الإعلام المصري الذي يمهد دائما للخطوات والسياسات، ولم يرى المصريون مؤشرًا على استعداد مصر للانخراط في فكرة قوة مشتركة إلى جانب العدو الصهيوني ولا ترويجًا اعلاميًا لها في برامج محددة لإعلاميين معروفين بالإسم ويناط بهم دوما التمهيد لما تستعد مصر الرسمية للإقدام عليه.
ثانيًا: يجب الفصل بين توجهات سياسية للنظام وبين توجيهات عسكرية للجيوش، كما يجب الفصل بين ضغوط قابلة للاستجابة يتم التجاوب معها من مخزون السياسات والتفريطات، وبين ضغوط غير قابلة للاستجابة لانعدام المخزون واستحالة التفريط، لأنها أشياء لا يملكها النظام حتى لو أراد الاستجابة.
والمراقب للموقف المصري يرى دومًا سقفًا يصعب تجاوزه، وخيطًا رفيعًا من التمايز بينه وبين الموقف السعودي العدائي للمقاومة والموقف الإماراتي المتهور في التطبيع والتفريط.
وهذا الخيط الرفيع لا يتناقض مع المواقف المصرية المرتهنة للسعودية والامارات لأنه يتعلق بمركز حضاري لا يستطيع أي نظام ابتلاعه والسيطرة عليه مهما بدا مسيطرًا ومطلق اليد في التصرف، حيث يتميز المركز الحضاري بمؤسسات عميقة عصية على التصفية ومخزون وجداني شعبي عصي على التضليل الكامل والانحراف الشامل، ودور حضاري يتناقض مع التسليم الكامل لسيطرة خليجية صهيونية تعني وفاة مباشرة لهذا المركز الحضاري.
وبالتالي فإن هذا الخيط الرفيع من التمايز هو خيط الحفاظ على البقاء، وسقف التنازلات هو سقف الحياة والذي تنتهي مصر وحياتها بتجاوزه.
ثالثًا: بالمقابل لا يمكن تصور وجود رفض مصري كامل يشكل تحديا للإدارة الأمريكية، وبالتالي لا يمكن فصل مصر عما يحدث من ترتيبات وتنسيقات.
وهنا يمكن استكشاف الدور المصري من ترتيبات تم تدشينها بالفعل، حيث تم بتعيين الجنرال “مايكل كوريلا” قائدا لـ “سنتكوم في مطلع ابريل، وتفيد التقارير بأن “كوريلا” قد أتى ومعه تلبية لبعض الطموحات العسكرية المصرية من جهتين:
الأولى: تدشين “القوة 153″، وهي قوة جديدة تضاف إلى “سنتكوم”، مهمتها الأساسية حماية البحر الأحمر وممراته المائية، وتضم سفنًا أميركية وبريطانية وإيطالية ومصرية وتهدف لتأمين حرية الملاحة في الخليج، وتضم قوات من دول عربية هي: السعودية والإمارات ومصر والكويت وقطر والعراق والأردن والبحرين.
كما تضم عددًا من الدول الإسلامية هي تركيا وماليزيا وباكستان، وعدد من الدول الغربية هي: فرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وهولندا وإسبانيا والبرتغال والدنمارك والنرويج واليونان، علاوة على عدد من الدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند وسنغافورة والفلبين.
الثانية: وكما أشارت بعض الصحف الصهيونية، فإن القوة الجديدة التي تحمل رقم “153”، لم تتضمن وجودًا لبحرية “إسرائيل”، ما يعد استجابة من القيادة الجديدة لقوة “سنتكوم” لمخاوف القوات المسلحة المصرية.
ولكن، ونظرًا لافتقار العسكرية المصرية للسبق في مجال الذكاء الصناعي، فسيتم فتح المجال لتوظيف تكنولوجيا الذكاء الصناعي، وهو ما دعا أمريكا لاستقبال أنظمة ذكاء صناعي من نحو 10 دول أوروبية وآسيوية شاركت في هذه المناورات، وأيضا أنظمة اسرائيلية.
ويرتبط التوجه الأميركي الجديد حيال “القوة 153” باثنين من الأولويات التي تحدثت عنها قيادة “سنتكوم” في موقعها على الشبكة العنكبوتية، أولهما؛ والذي يمثل الأولوية الأولى لقوة “سنتكوم” في الوقت الراهن، يتمثل في ردع إيران، والعمل على الحد من أنشطتها، والثانية تتمثل في التصدي للخطر الذي تمثله أنظمة الطيران غير المأهولة (يو إيه إس)، وهي خطورة تأتي من الأنظمة المسيرة الإيرانية، والتي مثلت تهديدا فعليا وليس افتراضيا لمصالح واشنطن في المنطقة.
وبالتالي، فإن الأرجح هنا هو وجود مصر كطرف مشارك في الترتيبات البحرية، وكذلك يمكن مشاركة مصر في نظام مشترك للإنذار المبكر وفي ترتيبات الدرع الصاروخي.