وضع الأمة والمداهنة في التعبير
موقع إنباء الإخباري ـ
د. شاكر شبير:
المداهنة في التعبير تعني هنا إعطاء ألفاظ تجريدية عامة فضفاضة بصيغ ترضي الجميع، بدلا من التركيزعلى الوضع حقليا، ومن ثم الذهاب إلى تشخيص الوضع وتحديد المسؤوليات، وبالتالي إعطاء وصفات فعالة محددة لعلاج هذا المرض أو ذاك. لقد رأينا هذا التصرف في الشان السوري، أي في الفتنة على أرض الشام. واليوم نراه في الشان الفلسطيني.
الأسبوع الماضي احتفلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بذكري تأسيسها. وبالطبع يتم سؤال المسؤولين في الحبهة عن رأيهم في الأوضاع. فبدلا من الذهاب مباشرة إلى الظاهرة وتحليلها وبناء على ذلك يتم تشخيصها وإعطاء التوصية أو الدواء الفعال، يدورون في مجالات مفاهيم عامة تجريدية ويتنقل بينها على المستوى التجريدي، دون أن يربطها حقليا بما يجري على الأرض! في سؤال للقياديين في الجبهة الشعبية أمثال الأستاذ عبدالرحيم ملوح وخالدة جرار عن الوضع الفلسطيني. كانت إجباباتهم تكرر “لا بد من الوحدة الوطنية طريقا للتحرير”! ويكرر الجملة مرارا لدرجة أن أذنك تمل سماعها بل لا تطيق سماعها. مفهوم الوحدة الوطنية مفهوم حالم وجميل بشكل تجريدي، وبقولك هذه الجملة ترضى جميع الأطراف، وكل طرف يظن أن الجبهة الشعبية تقف معه! دبلوماسية عبقرية على مستوى العلاقات العامة للجبهة الشعبية كفصيل، لكنها تنهك القضية الفلسطينية.
في الوضع الحالي الفلسطيني؛ ماذا تعني الوحدة الوطنية حقليا؟ ألا تعني النزول على رغبات عباس والوجوه الكالحة حوله في رام الله؟! أليس عباس رئيس سلطة منتهي الصلاحية؟! أليست الحراب الصهيونية هي من قامت بالتمديد له بعد إنتهاء صلاحيته؟! اليست إسرائيل هي أكثر الناس اليوم حرصا على حياة عباس؟! ألم يعلنها عباس مرارا وتكرارا أنه ضد أي انتفاضة وطالما أنه في الكرسي الذي اغتصبه بلا حق، فلن تكون هناك انتفاضة؟! ألم يعلن عباس مرارا وتكرارا أنه ضد أي عمل عسكري؟! وهل الاقناع المنطقي كفيل بتحرير فلسطين؟! وهل سلب الصهاينة فلسطين كان ومازال من خلال مبارزة في المنطق؟! بل ويذهب الأمر بعباس والعصابة التي حوله أن تعمل رأس حربة في حملة التطبيع مع الدول العربية! أليس هذا ماقاله سفير عباس في الكويت؟! وعندما تم سؤاله قال إن لا علاقة لإسرائيل بهذا! بالرغم من أن رئيسه لا يستطيع التحرك دون الاستئذان من إسرائيل وموافقتها؟! ومادام الأمر كذلك، فكيف تكون الوحدة الوطنية حاليا ـ وهي ليست إلا الاستجابة لرغبات عباس ـ هي الطريق لتحرير فلسطين؟!
ما هي حكومة الوحدة الوطنية حقليا؟! أليست هي حكومة تقود من خلالها الأقلية البرلمانية الأغلبية؟! وهل في العرف الديمقراطي تقوم الوحدة الوطنية عندما تتنازل الأغلبية البرلمانية للأقلية البرلمانية لقيادة الحكومة؟! أليس هذا ما كان مطلوبا من حماس عندما ظهرت نتاج الانتخابات مخيبة لعباس؟! أليست هذه نصيحة الثوري الكبير عزمي بشارة تلميد جيفارا بن تميم آل ثاني؟! ألم ينصح حماس أنه يكفيها شرفاً أنها نافست وحققت نتائج وتترك الحكومة لفتح لتحكم؟! ألم تعرفوا للآن أنها نصيحة موسادية يقوم بالتعبير عنها ثوري الموساد؟!
الجبهة الشعبية لها من العمر ما يزيد عن النصف قرن، فقد قامت بعمل الندوة العالمية للقضية الفلسطينية في جامعة القاهرة عام 1965، أيام كان تيسير قبعة رئيسا لاتحاد الطلبة الفلسطينيين في مصر. وقد نجحت الندوة بشكل كبير. هذه المداهنة والمداراة جعلت الجبهة الشعبية بعيدة عن الشارع الفلسطيني وعن النبض الفلسطيني الذي يدرك أن الأمة في وضع لا يحتمل المداهنة والمداراة والانتهازية. لهذا لم تحقق الجبهة الشعبية نجاحات على المستوى الشعبي! لا بد من وضع النقاط على الحروف والوضوح في الطرح على المستوى الحقلي وعدم الهروب إلى مفاهيم تجريدية عامة لا تنطبق على الوضع الفلسطيني، فالوضع الفلسطيني لا يحتمل!