وجودية الكيان ومسبّبات الأزمة… «إسرائيل» على مقصلة الزمن
جريدة البناء اللبنانية-
نمر أبي ديب:
ما بين «أسطورة الجيش الذي لا يُقهر» وعقدة الثمانين… تحوّلات استراتيجية أرخت بظلالها السياسية ومؤثراتها العسكرية على الساحة «الإسرائيلية» في الدرجة الأولى ومجمل الميادين الإقليمية، انطلاقاً من حقائق ميدانية وتوازنات استثنائية فرضتها القوى المنتصرة في كلّ من سورية ودول الطوق المقاوم، سواء على مستوى الفكرة التي يجسَّدها فكر أنطون سعاده، أم على مستوى التجربة الميدانية، التي عملت «المقاومة» بكامل مكوناتها السياسية وحتى الحزبية على ترجمتها ميدانياً في أكثر من محطة وموقع، مروراً بـ حرب تموز 2006، وصولاً إلى «الترسيم البحري» والدور الاستثنائي الذي قامت به ومن خلاله المقاومة، في رسم وصوغ قواعد اشتباك جديدة مع «إسرائيل»، ضمن تفوق استراتيجي أمني وآخر سياسي، دخلت من خلاله القوى الاقليمية بـ مختلف مكوناتها السياسية وحتى العسكرية مراحل متقدّمة من «الردع المقاوم»، القادر على فرض الشروط وتغيير المعادلات البرية كما البحرية، والانتقال مع فكرة المواجهة من مراحل «الدفاع الاستراتيجي إلى مرحلة الهجوم الاستثنائي»، والدخول الفعلي والحقيقي في معادلة المتوسط الجديدة، التي فرضت بالتزامن مع الموقف السياسي الحازم والحاسم، بما خص «الترسيم البحري» أبعاداً عسكرية يمكن العمل بمفاعيلها الميدانية بـ «مختلف جبهات المقاومة»، سواء على مستوى الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، أم على مستوى جبهات المواجهة المعلنة وفي مقدمتها الجبهة السورية.
قد يكون التسويق الدولي الفاشل لـ بنود «صفقة القرن» الأميركية، مقدمة استثنائية لـ مراحل مصيرية أسقطت فيها التحوّلات الاستراتيجية التي بلغتها المنطقة عوامل الطمأنة الوجودية «لكيان الاحتلال» وضمانات الاستمرار السياسي ضمن بيئة جغرافية متمّمة وأيضاً حاضنة في أبعادها التاريخية والدينية لحركات المقاومة، لمسلمات ميدانية سياسية وعسكرية أكَّدت فيها التجارب السابقة والحالية على الربط الاستراتيجي بين الأمنين الأميركي من جهة والإسرائيلي، أيضاً على ما تشهده «إسرائيل» من فوضى شاملة و»التآكل الوجودي»، الذي شهده ولا يزال «الدور الأميركي» الفاعل والمؤثر في سياسات المنطقة، رغم المؤثرات السياسية ومجمل «أوراق القوة»، التي لا تزال تمتلكها «الولايات المتحدة الأميركية» على أكثر من مستوى سياسي واقتصادي في المنطقة والعالم.
لعل المستقبل المبهم الذي يلوح اليوم في أفق وأبعاد المشهد الإسرائيلي، يعود في الدرجة الأولى إلى «العقم الوجودي» الذي برزت مؤثراته العملية مع انتفاء القدرة الإسرائيلية على إنتاج «الملوك»، والذي أفضى إلى ما هي عليه «إسرائيل» اليوم من فوضى داخلية ممهورة بختم التفكك السياسي والاضمحلال، وهذا ما عبّرت عنه وسائل اعلام إسرائيلية حين تحدّثت عن أزمة احتياط نتيجة التراجع في «التجنيد»، بالتزامن مع اشتعال الجبهة الداخلية من جهة، وتعاظم القدرات الايرانية من جهة أخرى.
ما يجري اليوم في العمق الإسرائيلي يُحاكي في أبعاده السياسية ونتائجه العسكرية خروجاً إسرائيلياً علنياً، عن المسار التقليدي ودخول الكيان بشكل استثنائي لا إرادي مراحل التعبئة العكسية وتبدّل الأولويات، رغم تحوّلات المنطقة الأساسية، ومجمل خطوط الحمر الاستراتيجية، التي تحدّثت عنها صحيفة «إسرائيل اليوم»، حين وصفت انسحاب «ضباط الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي» بالخط الأحمر»!
هنا تجدر الإشارة إلى عسكرة المجتمع في كيان العدو إلى حقيقة تاريخية قائمة على مبدأ «أنّ إسرائيل دولة عسكرية»، لا أفقَ اقتصادياً لها، ولا انخراط سياسياً واجتماعياً في بيئة لا يمتلك فيها الكيان الإسرائيلي «شرعية الوجود»، رغم المحاولات الدولية المتكررة والجهود الأميركية المبذولة في هذا الاتجاه، ما يطرح اليوم أكثر من علامة استفهام سياسية وتساؤل حول المستقبل الإسرائيلي في الدرجة الأولى، ومجمل الهوامش السياسية، الأمنية وحتى العسكرية المتاحة في مراحل «التعددية القطبية» وصياغة الشرق الأوسط الجديد.
في السياق ذاته يعتبر العبث الإسرائيلي بهيكلية الجيش الذي قُهِرَ سابقاً في حرب تموز 2006، وأيضاً في حروب غزة، واختبار قوة الردع الاستراتيجي في مرحلة ترسيم الحدود البحرية، ضربة قاتلة لواقعية احتلال شكل فيه الجيش عصب الكيان الأول وعموده الفقري.
انطلاقاً مما تقدّم يعيش الداخل «الإسرائيلي» اليوم خفايا اللعنة التاريخية، التي ساهمت في وضع «إسرائيل» على مقصلة الزمن، وسط غياب كامل لأيّ أفق وجودي يمكن أن يعيد من وجهة النظر الأميركية وحتى «الإسرائيلية»، عقارب الساعة الشرق أوسطية إلى الوراء.