“وثيقة مار مخايل”، وكالة شعبية غير قابلة للعزل
موقع قناة المنار ـ
أمين أبوراشد:
عشية السادس من شباط الجاري، كان اللقاء على مستوى القيادات في كنيسة مار مخايل، بين حزب الله والتيار الوطني الحر، في حوار تقييمي حول المسار التطبيقي لوثيقة التفاهم بين الطرفين، وبشكلٍ خاص على المستوى الاستراتيجي العام، ومع استعراضنا للأحداث الخطيرة المحليَّة والإقليمية التي واجهناها كلبنانيين منذ العام 2011، نتبيَّن القيمة الوطنية والبُعد في الرؤية السياسية لدى من أسّسوا لهذا التفاهم، بحيث باتت هذه الوثيقة نواة مشروعٍ وطنيٍ كبير، وضمانة وجودية للوحدة، بل وكالة شعبية غير قابلة للعزل، دون الحاجة لأن نستفيض بما مررنا به في مواجهة أعداء الخارج، ومن شاؤوا أن يكونوا خصوم الداخل وما زالوا كذلك، رغم حجم التحوُّلات في الخارج، وسقوط الرهانات في الداخل.
وإذا كان هذا اللقاء قد حصل بعد الإنتخابات النيابية، وبعد تشكيل أول حكومة ما بعد هذه الإنتخابات، فقد تبيَّن لنا فعلاً، أن التفاصيل السياسية الخلافية إن حصلت، فهي لن تؤثر على جوهرية هذا التفاهم، بدليل، اللقاء الذي حصل في كنيسة مار مخايل، في الثامن من شباط 2018، أي قبل الإنتخابات وقبل الحكومة، واستعرضنا يومذاك أهمية اللقاء الدوري بين النُخب الشبايبة ضمن مقالة بعنوان: “مسيرة بناء الدولة، أولوية المرحلة”.
نستذكر لقاء النُخَب الشبابية في العام الماضي، لِنُثبت مدى الوعي الشعبي الذي جعل من وثيقة التفاهم ميثاقاً عملياً تطبيقياً وفق روزنامة واضحة، هذه المنهجية العملية التي اعتمدها فريقٌ من شباب لبنان، جمعتهم وثيقة تفاهم وطني، هي نموذج يُحتذى لبناء الدولة وفق الأولويات، خاصة أن البنود الثلاثة الأولى من الوثيقة، نصَّت في البند الأول على الحوار، وفي الثاني على الديموقراطية التوافقية، وفي الثالث على قانون الإنتخاب، وبحث المجتمعون يومذاك البند الرابع، الذي يتناول آليات عملية لبناء الدولة من وجهة نظر شبابية لقواعد حزبية شعبية مُلتزمة، بمعزلٍ عن الحماوة الإنتخابية التي كانت حاصلة والخطاب التجييشي العالي النبرة لدى بعض الفرقاء.
بعد انتهاء ذلك اللقاء الشبابي، صرح المجتمعون يومذاك: “نحن نجتمع كل سنة منذ توقيع الوثيقة في 6 شباط من العام 2006، لتقييم ما تمّ من إنجازات في بنود الإتفاقية، وبهدف الحوار حول البنود اللاحقة، وقد وصلنا الى البند الرابع المُرتبط ببناء الدولة”، ما يعني، أن وثيقة التفاهم ليست مُنزَلة فوقياً على القواعد الشعبية، لأن النُخب الشبابية لهذه القواعد لديها برنامج عمل للحوار والنقاش والتطبيق.
وبالفعل، وعلى وقع وجود فخامة الرئيس عون في قصر بعبدا، هذا الوجود الذي أنتجته وثيقة مار مخايل، انطلقت ورشة بناء الدولة، وكانت هناك إطلالات متتالية ونوعيَّة لسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في مواكبة للإستحقاق النيابي، مع تأكيدات من سماحته أن الحزب قد وضع خطط عمل وشكَّل لجنة من الخبراء برئاسة النائب حسن فضل الله لإعداد ملفات خاصة بمكافحة الفساد، وهذه اللجنة تعمل تحت إشراف شخصي من سماحته.
وبصرف النظر عن التأخير في تشكيل الحكومة، وتحفظات ليست بذات أهمية للبعض على بند المقاومة في البيان الوزاري، واستمرار الرهان على تغييرات إقليمية رغم الإنتصارات التي حققها محور المقاومة، فإن العجلة الحكومية قد انطلقت وبوزارة أساسية لحزب الله، لأن وزارة الصحة هي الأقرب للمعاناة الشعبية على مستوى كل لبنان، ومع ثقتنا الكاملة بالأداء الشفَّاف الذي ستؤديه هذه الوزارة، فهي سوف تكون نموذجاً مُبهراً في العمل العام، سيما وأن أميركا بذاتها تراقب أداءها لمجرَّد أن وزيراً مُقرَّباً من حزب الله قد تولاها، فيما ذهب نتانياهو كعادته الى اعتبار الحكومة خاضعة للحزب لمجرَّد أنه تولَّى حقيبة الصحّة.
والجزئية الهامة المٌتَّصلة بالعمل الحكومي، هي في تحفُّظ نفس الفريق على بند المقاومة وعلى أداء وزير الخارجية جبران باسيل على المنابر الدولية، لكن هذا الفريق يُدرك، أن حقيبة الخارجية هي أيضاً نِتاج وثيقة التفاهم، وأن هوِّية لبنان المُعَمَّدة بدماء الشهادة هي التي وَسَمَت وبشكلٍ نهائي هذه الهوية، وهي التي رَسَمَت السياسة الخارجية لوطن الجيش والشعب والمقاومة، وأن كل التحفُّظات على الأمور السيادية العُليا ليست مادةً للبحث والسلام…
المصدر: موقع المنار