وثائق العربية تُثير جدلاً في الداخل التركي
صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
علي حسن باكير:
أثارت الوثائق التي بثّتها قناة «العربية» وقيل إنّها وثائق سرّية خاصة بالنظام السوري واستولت عليها المعارضة السورية، جدلاً في الساحة التركية على مختلف المستويات.
وكانت إحدى هذه الوثائق التي بثّتها “العربية” قبل أيام أشارت الى أنّ نظام الرئيس بشار الأسد ممثلاً بالمخابرات الجوّية قبض على الطيّارين التركيين اللذين أُسقِطت طائرتهما قبالة الساحل السوري في 22 أيّار الماضي واحتجزهما واستجوبهما ثم قتلهما بناءً على توصية القاعدة الروسية في طرطوس.
وتشير الوثائق الى أنّ مركز القيادة المشتركة يلعب دوراً مهمّاً في اتخاذ القرار في ما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية داخل سوريا، وإنّ أمراً صدر في ما بعد بإعادة جثماني الطيّارَين بعد قتلهما الى البحر حيث حطام الطائرة لكي تتم التغطية على الجريمة ويبدو مقتلهما طبيعيّا.
وفي حين اعتبرت صحف تابعة للحزب الحاكم وللمعارضة ايضا انّ الوثائق ضعيفة ولا تستند الى حجج دامغة، مشكّكة في صدقيتها، رأى عدد من المحللين والخبراء أنّ الوثائق مزوّرة وأنّ هذا العمل مقصود بغية تحريض الرأي العام التركي ودفع الحكومة الى الفخّ السوري عبر استدراج مقصود لردّ فعل تركيّ تجاه النظام السوري.
على الصعيد الرسمي، أشارت مصادر الى أنّ الحكومة ستفحص أوّلاً هذه الوثائق التي نشرتها “العربية” من حيث الشكل أذا تسنّى لها الأمر، كذلك ستدقّق في محتواها من حيث المضمون للتأكّد من مدى صحّتها، خصوصاً أنّها تعاني من عيوب جوهرية في المضمون على الأقلّ، في إشارة ربّما الى السلاح المستخدم لإسقاط الطائرة وفق الوثائق كما الى موضوع إعادة جثث الطيارين بعد قتلهما الى محيط الركام.
وفي الوقت الذي قلّل فيه ابراهيم كالين مسؤول الدبلوماسية العامة حاليّا وكبير مستشاري رئيس الحكومة رجب طيّب أردوغان سابقاً، من أهمّية هذه الوثائق، معتبراً أنّه لا يمكنها ان ترقى الى مستوى “الوثائق الرسمية” من خلال التقويم الأوّلي، اتّجه بعض المحللين الى القول إنّ الهدف من الوثائق هو إيجاد شرخ بين تركيا وروسيا، خصوصاً مع تركيز هذه الوثائق على الدور الروسي التحريضي على أنقرة من خلال مسألة الطيّارين، ناهيك عن الدور الذي تلعبه من خلال الغرفة المشتركة في إدارة النظام السوري، ومنها أمور تتعلق بالمصالح والأمن التركيين.
في المقابل، قالت مصادر عسكرية لـ”الجمهورية” إنّ هذه الوثائق غير واقعية وضعيفة استناداً الى آليّة تحليل المضمون، حيث ذكرت هذه الوثائق أنّ الأمر صدر بإسقاط الطائرة التركية واستهدافها بصاروخ “غراد”، ومن المعروف انّ صاروخ الـ”غراد” ليس سلاح إعتراض جوّي، وإنّما هو صاروخ أرض – أرض، وليس أرض ـ جو.
وقد ذهبت هذه المصادر الى الاستنتاج أنّ الوثائق غير ذات صدقية، وهو أمر وافق عليه أيضاً الجنرال المتقاعد أردوغان قراقوش الذي اعتبر أنّ مسألة قتل الطيّارين ثمّ البحث عن ركام الطائرة على عمق 1300 متر ثمّ إعادتهما اليه أمر شبه مستحيل في ظلّ الظروف الموضوعية السابقة وقدرات سوريا المعروفة، ليصل من خلال ذلك أيضا الى التأكيد انّ الوثائق ليست صحيحة.
وعلى الرغم من هذا الجدل، فإنّ السلطات التركية كانت دوماً – وفق رواياتها – تؤكد أنّ الطائرة اصيبت بصاروخ وليس بمدفع رشاش مضاد حسب ما يقول النظام السوري، ناهيك عن انّه وعلى الرغم من انتشال جثتي الطيّارَين، فإنّه لم يتمّ تقديم النتائج الى الرأي العام عن سبب وفاتهما، وهو ما يجعل هذه المسألة مفتوحة على النقاش دوماً، من دون ان يتمّ غلقُها، ما يثير ضبابية حول حقيقة ما جرى ويلقي بظلاله باستمرار على الأجواء السياسية في البلاد.
يُذكَر أنّ التقارير الاوّليّة لحادثة إسقاط الطائرة التركية كانت تشير فعلاً الى امكانية ان يكون النظام الروسي متورّطاً، وأنّ الأوامر الحقيقية بإسقاط الطائرة صدرت من موسكو وليس من النظام السوري، قبل ان تعود وتركّز على روايات أُخرى من دون التوصّل الى حقيقة ما جرى فعلاً.