صورة ملتقطة يوم 26 مايو 2020 تظهر الواجهة الخارجية لمبنى بورصة نيويورك في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة.(شينخوا)
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
سجلت الولايات المتحدة أكثر من 2.7 مليون حالة إصابة مؤكدة بكوفيد-19 وأكثر من 128 ألف وفاة حتى الآن، لتحتل المرتبة الأولى في الحصيلة العالمية.
وقال العديد من المراقبين الأمريكيين إن مثل هذا الوضع الوبائي أجبر الأمريكيين على مواجهة “الحقيقة الوحشية” – الولايات المتحدة ليست استثنائية كما تعتقد، والقوة العظمى الوحيدة في العالم تحتاج إلى القليل من التواضع في مواجهة تحديات العصر الحديث.
“لسعة الهزيمة والبؤس والحرج”
وكتب فرهاد مانجو، وهو كاتب مقالات رأي في صحيفة ((نيويورك تايمز))، يوم الأربعاء، بأنه “مثل الكثير من الأمريكيين، أجد نفسي في كثير من الأحيان أفترض الاستثنائية الأمريكية — وهي فكرة أن المثل العليا التأسيسية لأمريكا تجعلنا متفوقين أخلاقيا على الدول العادية وتمنحنا مصداقية ورؤية خاصة عند التعامل مع الأزمات العالمية”.
وتابع مانجو أن “الأشهر القليلة الماضية يجب أن تغرز شوكة في الطرح السخيف الذي يفيد بأن الولايات المتحدة تتمتع بنوع من الاحتكار للعبقرية. من الواضح أننا لسنا كذلك”.
ويشعر المهاجر من جنوب إفريقيا، الذي عاش في الولايات المتحدة منذ أكثر من 30 عاما، بـ “لسعة الهزيمة والبؤس والحرج” عندما يرى الإصابات في الولايات المتحدة ترتفع بينما تتناقص في العديد من البلدان الأخرى. ويقول “لا أستطيع التفكير في أي فشل وطني مكشوف وكامل مثل هذا الفشل”.
وأفادت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها يوم الخميس عن تسجيل معدل يومي جديد للحالات المؤكدة في جميع أنحاء البلاد بلغ 54357.
وبحسب حصيلة صحيفة ((التايمز))، فإن أرقام الحالات كانت تتجه صعودا في 38 ولاية حتى يوم الأربعاء. وكانت مناطق البؤر في جنوب البلاد وغربها تنتشر شمالا وشرقا.
رجل يرتدي قناع وجه أثناء مروره أمام لافتات معلقة على سياج يرد فيها ذكر لأسماء ضحايا كوفيد-19 قبالة مقبرة غرينوود في بروكلين بنيويورك في الولايات المتحدة يوم 27 مايو 2020.(شينخوا)
وذكر تقرير لشبكة ((سي إن إن)) أن 23 ولاية على الأقل أوقفت مؤقتا خططها لإعادة الفتح من أجل مكافحة العدوى المتزايدة.
وقال كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة أنتوني فاوسي يوم الثلاثاء إن البلاد “لا تسيطر بشكل كامل” على الوباء، محذرا بشدة من أن الحالات المؤكدة يمكن أن ترتفع إلى 100 ألف في اليوم إذا لم “يتغير الاتجاه الحالي”.
وأفادت دراسة نشرت يوم الأربعاء في مجلة ((جاما)) للطب الباطني أن الأرقام الرسمية للوفيات الناجمة عن كوفيد-19 في البلاد قللت من أهمية الزيادة الكاملة في الوفيات المرتبطة بالوباء في العديد من الولايات، مضيفة أن عدد الوفيات الناجمة عن أي سبب في الفترة من أول مارس إلى 30 مايو كان أعلى بنسبة 28 في المائة من أعداد وفيات كوفيد-19 المبلغ عنها.
وأفاد تقرير صادر عن صحيفة ((بوليتيكو)) الإخبارية الأمريكية في 22 يونيو، نقلا عن خبراء في مجال الصحة العامة، بأن الولايات المتحدة “أضعفت نفسها” من خلال “نهج مجزأ ومسيس” في التعامل مع وباء كوفيد-19.
وصرح تشانغ تشو فنغ، أستاذ علم الأوبئة والعميد المساعد للأبحاث في كلية الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن زيادة التجمعات وقلة التباعد الاجتماعي وسط عمليات إعادة الفتح في عموم البلاد قد أدى إلى تفاقم الوضع.
عرض لافتات حول التباعد الاجتماعي على لوحات إعلانية إلكترونية في ميدان تايمز سكوير في نيويورك بالولايات المتحدة يوم 25 يونيو 2020.(شينخوا)
استثنائية في “طرق خاطئة”
وصرح روبرت لورنس كوهن، رئيس مؤسسة كوهن، لوكالة أنباء ((شينخوا)) في مقابلة جرت مؤخرا، أن الاستثنائية الأمريكية، وهو مفهوم تعود جذوره إلى القرن التاسع عشر وازدهر في القرن العشرين، أصبح “مفارقة تاريخية في القرن الحادي والعشرين ، حتى قبل كوفيد-19”.
وذكر المثقف الشهير أنه في الماضي، كان يمكن للمرء أن يجد مبررا للاستثنائية الأمريكية، لكن التطور السليم والتدريجي لجميع الدول، خاصة في مجال التكنولوجيا، أوجد “عالما متعدد الأقطاب تكون فيه العديد من الدول استثنائية، كل منها بطريقتها الخاصة”.
وأشار سوراب غوبتا، كبير زملاء معهد الدراسات الصينية الأمريكية ومقره واشنطن، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إلى أن “الاستثنائية الأمريكية لم تمت؛ هي على قيد الحياة إلى حد كبير. المشكلة هي أن أمريكا كانت استثنائية في جميع الطرق الخاطئة. وكانت استثنائية في هذه الطرق الخاطئة للحد الأقصى في العشرين عاما الماضية، من حروبها غير القانونية في العراق وليبيا إلى فشلها الذريع واستسلامها الفعلي للأزمة المالية العالمية”.
وأضاف غوبتا “لماذا إذن نفاجأ بالاستجابة الأمريكية البائسة على نحو استثنائي للغاية على وباء كوفيد-19؟ وفي جزء كبير منها، كانت الإخفاقات نتاج غطرستها وعجرفتها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة”.
ولفت شي تشين، الأستاذ في كلية ييل للصحة العامة ورئيس الجمعية الصينية للسياسات الصحية والإدارة في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) إلى أنه من الأهمية بمكان تعزيز التعاون العالمي لمكافحة كوفيد-19 في وقت حرج حيث تجاوز عدد الحالات المؤكدة في جميع أنحاء العالم حاجز 10 ملايين.
وقال تشن “إننا نشهد عولمة بدون حوكمة عالمية، ما كشف ضعف البشر في مواجهة الأمراض المعدية الرئيسية مثل كوفيد-19”.
أناس يقضون وقتا للاسترخاء في بقع محددة بدوائر لضمان التباعد الاجتماعي في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة يوم 24 مايو 2020.(شينخوا)
“القليل من التواضع” مطلوب
وأشار أوري فرايدمان، وهو كاتب مساهم في صحيفة ((ذي أتلانتيك))، في مقال نُشر في 14 مايو، إلى أن “الاستثنائية الأمريكية قد أُعلن عن وفاتها عدة مرات، من حرب فيتنام إلى الحرب العالمية على الإرهاب، مع ذلك تمكنت من البقاء خلال تلك الفترات الصعبة”.
وكتب فرايدمان “لكن أزمة فيروس كورونا الجديد قد تشكل أكبر تهديد حتى الآن للاعتقاد بأن أمريكا ليس لديها الكثير لتتعلمه من بقية العالم”.
وتابع فرايدمان أن الولايات المتحدة، بالطبع، “لا تزال لديها قدرة هائلة على إعطاء الدروس. ولكن قد تحتاج أيضا إلى الخروج من هذه الأزمة مدركة أن لديها قدرة مساوية على التعلم”.
وكتب مانجو أن “فشل أمريكا في السيطرة على الوباء يبدد فكرة أن بلدنا أفضل حالا بدون أشخاص وأفكار من خارج حدودنا”.
وقال كوهن إنه “بلا شك، استجابت الحكومة الأمريكية ببطء شديد وبسلطة مركزية غير كافية لتفادي فداحة كارثة الوباء”.
وأوضح كوهن “لكن سيكون من التشويه تحديد هذا الفشل الواضح باعتباره سبب الانهيار القادم للقيادة أو حتى إلغاءها”، مشيرا إلى أن هناك عوامل أخرى تعمل على تقويض هيمنة الولايات المتحدة، بما في ذلك الانقسامات السياسية الداخلية والتفكيك الخارجي للتحالفات.
وزاد “بالنسبة لبعض الساسة، الذين يتملكهم شعور رمزي عفا عليه الزمن حول مهمة أمريكا في العالم، فإن القليل من التواضع جراء هذا الوباء قد لا يضر. فالمثل الأمريكية ينبغي أن تكون منارة وليست ناديا”.