واشنطن وورقة إطالة المواجهة بين موسكو وكييف
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
من الطبيعي أن تتابع قيادة الكيان الإسرائيلي والحركة الصهيونية العالمية مجريات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بقلق متزايد خوفا من توسيع رقعتها أو انتهائها بفرض الشروط الروسية أو معظمها على أوكرانيا وحلفائها، فهدف إسرائيل على غرار الإستراتيجية الأميركية هو ألا تخرج موسكو من هذه العملية بانتصار مهما كان حجمه وشكله ولذلك تتفق مع الغرب كله في إطالة أمد الحرب على الجبهة الأوكرانية بهدف استنزاف القدرات الروسية لأطول زمن ممكن.
في هذه الأوقات بدأت بعض مراكز الأبحاث الغربية والإسرائيلية بإجراء تحليلات حول الزمن المحتمل لانتهاء هذه المواجهة سواء بالحسم العسكري الروسي أو بالوساطات الدبلوماسية التي يراهن عليها كثيرون في الغرب، وكان المؤرخ نيل برغسون قد تناول موضوع نهاية هذه المواجهة واحتمالاتها الممكنة في تحليل نشره في مجلة «بلومبيرغ» الأميركية الإلكترونية قبل أيام مستنتجاً أن الحروب إذا استمرت وقتا أطول نسبياً، تضاءلت فرص أن تنتهي قريباً، وهذا في النهاية ما تريده واشنطن رغم تدهور القوات الأوكرانية على الأرض وتضاؤل مساحات مناوراتها في الدفاع والمواجهة العسكرية أمام اتساع رقعة الأراضي والمدن التي أخرجتها القوات الروسية من الفاعلية العسكرية فيها.
ويرى محللون أن كثافة عمليات نقل الدعم العسكري الغربي للجيش الأوكراني وتزويده بمعدات وأسلحة حديثة هدفه ليس تحقيق الإنجازات العسكرية بقدر ما هو نوع من اختبار هذه الأسلحة وامتحان قدراتها أمام الأسلحة الروسية تمهيدا لضمان إطالة أمد المواجهة على حساب دماء الأوكرانيين وقد لا يستغرب الكثيرون أن تكون واشنطن وحلف الأطلسي هما اللذين يزودان جنود وقادة الجيش الأوكراني برواتبهم الشهرية وتعويضاتهم المالية لأن نسبة الدخل وقيمة الرواتب في أوكرانيا أقل بكثير من نظيرتها في أوروبا والولايات المتحدة، فالغرب يسعى إلى إغراء هؤلاء الضباط والجنود وإغداق الأموال عليهم لكي يشجعهم على البقاء في المواجهة في الساحة الأوكرانية.
وإذا كانت روسيا بالمقابل تدرك تماماً أن الغرب يريد فرض قواعد مواجهة تمنع إيقاف الاشتباك من قبل الأوكرانيين، فإنها من الطبيعي أن تعمل بكل وسائلها لمنع إطالة أمد هذه المواجهة ولديها أوراق وخيارات كثيرة بعضها في الميدان على الأراضي الأوكرانية، وبعضها الآخر في فتحها الدائم لأبواب العمل الدبلوماسي مع الأوكرانيين بهدف التوصل إلى ما يمكن أن يقدم للطرفين الروسي والأوكراني حلولاً قابلة لإيقاف الاشتباك وتخفيض المواجهات وهذا ما تدل عليه سياسة موسكو في فتح ممرات للمدنيين في مختلف المناطق التي تواجه فيها القوات الأوكرانية المشتبكة معها.
وإضافة إلى أهمية هذه الإستراتيجية الروسية لا يمكن للساحة الأوكرانية ألا يطرأ في داخل جيشها أو قيادتها السياسية انقسامات أمام عجزها عن تحقيق أي إنجاز باستثناء توزيع الاتهامات ضد الجيش الروسي، وهذا العامل لا يمكن استبعاده في تشجيع بعض قادة الجيش الأوكراني على التوصل لهدنة في هذه الجبهة والمدينة أو تلك، وهذه كلها من العوامل التي تحول دون استمرار الاشتباك أو الحرب داخل أوكرانيا وتساعد في إحباط الإستراتيجية الغربية الهادفة إلى إطالة زمن المواجهات لاستنزاف روسيا وقواتها المسلحة، ولذلك يحذر بعض المحللين الأوروبيين بشكل خاص من أن ما يجري بين روسيا وأوكرانيا لا يشبه أبداً ما جرى في القرن الماضي بين الاتحاد السوفييتي وأفغانستان، ففي داخل الأراضي الأوكرانية توجد دولتان هما الدونباس ولوهانسك المواطنون فيهما وفي أماكن أخرى، هم من الروس، ولكل منهما جيشه ومناطق سيادته ويقف الشعب الروسي كله إلى جانبه وللدفاع عنه داخل أوكرانيا.
ولذلك قد تؤدي الخطط الأميركية الغربية التي تعد لأوكرانيا واستغلالها لمصلحة الغرب إلى انقسام حاد بين الجمهور الأوكراني نفسه في الداخل والخارج وخاصة بعد أن بلغ عدد الذين خرجوا من أوكرانيا إلى الدول الأوروبية يزيد على عشرة ملايين يعيشون كلاجئين لكن من الدرجة الأولى لتشجيعهم على الانخراط في السياسة المعادية لروسيا.
يتصف الصراع الحاد الآن بين الغرب وروسيا على مسألة إطالة هذه المواجهة من وجهة الموقف الغربي، ومنع إطالتها من وجهة الموقف الروسي، الذي يملك أوراقاً كثيرة لإحباط هدف إطالتها.