واشنطن وموسكو… تقارب تُحدّده دمشق
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
منذ بداية الحرب على سورية، لم يلاحظ وبشكل عملياتي، أيّ تقارب روسي أميركي، يُمكن أن يؤسّس لحلّ سياسي مُستدام، فالمتابع ليوميات الحرب على سورية، يُدرك أنّ حلول واشنطن دائماً ما تنطلق من حلول توافق سياستها وأجندتها في سورية، الأمر الذي اصطدم مرات عديدة، بالفيتو الروسي لا سيما في مجلس الأمن، فضلاً عن إجراءات ميدانية اتخذتها موسكو بالتعاون مع دمشق، لتأطير السياسات الأميركية في عموم الجغرافية السورية.
الإشكالية الأساسية والتي مثلت تحدياً لـ واشنطن وموسكو على السواء، ارتكزت على آلية إيصال المساعدات الإنسانية، والتي خضعت لجملة الرؤى المتباينة، بين القوتين العظميين, الولايات المتحدة كانت دائماً تسعى وفق قرار الأمم المتحدة رقم 2165، لفتح ثلاثة معابر على الأقلّ، معبران من جهة تركيا, وثالث من جهة العراق, تلك المعابر التي تراها موسكو «ليست سوى ذرائع» لتمرير الإمدادات لأعدائها وأعداء حليفتها، الحكومة السورية، في الشمال، الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة المدعومة تركياً، وفي الشمال الشرقي، الذي تسيطر عليه قوات سورية الديمقراطية، «قسد»، المدعومة أميركياً، كما أن موسكو ترى أن لا بديل عن التعاون مع دمشق بشكل مباشر، لإيصال تلك المساعدات، عبر الداخل السوري، الأمر الذي أيضاً واجهته واشنطن بالفيتو.
ضمن ما سبق، يبدو واضحاً أن الكباش الروسي الأميركي في سورية وعليها، يأخذ طابعاً تصاعدياً تؤطره التعقيدات والتحديات، الأمر الذي يجب بموجبه إيجاد معادلة تقارب، تُجنّب الطرفين الروسي والأميركي المزيد من حالة التصادم السياسي، والتي يُخشى أن تتحوّل لتصادم عسكري، وبناءٍ على ذلك، فإنّ القضية الأساس اليوم في سورية، والتي يُمكن البناء عليها لاحقاً لجهة التقارب الروسي الأميركي، جاءت عبر آلية إيصال المساعدات عبر المعابر الإنسانية، خاصة أنّ هذه القضية مرّت دون تعقيدات في مجلس الأمن، وجاءت وفق ذلك، ضمن تفاهمات ضمنية الجانبين؛ هي تفاهمات يُمكن وضعها في عاملين أثنين:
أولاً- قضية المعابر الإنسانية كانت حتى وقت قريب، مثار جدل بين روسيا والولايات المتحدة، فالمراقب يُدرك بأنّ التصريحات الروسية وكذا الأميركية، وعلى ألسنة مندوبيها في الأمم المتحدة، كانت تتسم بالحدّة والتوتر الشديد، لكن ما حدث هو أنّ المشروع المعابر الإنسانية، مرّ دون اعتراض من روسيا، التي وافقت على فتح معبر «باب الهوى» في الشمال السوري مع تركيا، كمعبر إنساني لدخول المساعدات الأممية، ما يعني أن واشنطن راعت المتطلبات الروسية باقتصار الطلب على معبر واحد بعد أن كانت تصر على تطبيق القرار 2156 بفتح ثلاثة معابر، في المقابل، وارتضت موسكو أن يكون هناك معبر خارج سيطرة الحكومة السورية بموافقتها، نظرا للاقتصار على معبر واحد، لا ثلاثة, فبدا الأمر أشبه بتنازل كل طرف للآخر.
ثانياً- بُعيد خروج القرار المتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية إلى النور، احتفى الجانبين الروسي والأميركي بالقرار، حيث سارعت كل من موسكو وواشنطن، إلى التعبير عن مدى التفاهم بين الجانبيين، والذي أثمر توافقاً أممياً يُمكن استثماره لجهة التوصل لحلّ سياسي في سورية، مع مراعاة مصالح موسكو وواشنطن وبالتأكيد دمشق، نتيجة لذلك، أعلن البيت الأبيض أنّ الرئيسين بايدن وبوتين أشادا بالتعاون المشترك لإصدار القرار، كما رحبت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، بهذا التعاون، وقالت عقب التصويت «من المهم أن تتمكن الولايات المتحدة وروسيا من التشارك في مبادرة إنسانية لصالح الشعب السوري». أما السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نبينزيا، فقد وصف الاتفاق بأنه «تاريخي»، إذ إنه «للمرة الأولى لا تكتفي روسيا والولايات المتحدة بالاتفاق, ولكنهما تقدّمتا أيضاً بنص مشترك يؤيده كل الزملاء في المجلس».
في المحصلة، من الواضح أن مرور قرار في مجلس الأمن، وبموافقة روسية أميركية، ويتعلق بالدولة السورية، فإنّ هذا مؤشر واضح لرغبة الطرفين باستئناف سلسلة التفاهمات في ما بينهما، للوصول إلى حل للأزمة السورية، كما يوحي موافقة الطرفين على قرار أممي يتعلق بسورية، أن الجانبين مستعدان للتنازل مراعاة لمصلحة ورؤية دمشق، الأمر الذي يمكن أن يُحدث منعطفاً في السياستين نحو التفاهم وحلحلة الأزمة السورية وغيرها من الأزمات الإقليمية والعالمية، التي يختلفان حولها.