واشنطن وطرقها في خلق الأعداء والمبررات العدوانية
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
يعترف رئيس مركز أبحاث «مستقبل مؤسسة الحرية -إف إف إف» الأميركية جيكوب هورن بيرغير أن الولايات المتحدة اعتادت منذ قرن خلق عدو آخر بعد انتهاء حربها ضد عدو سابق وبغض النظر عن نتيجة الحرب على العدو السابق. ويضيف: «بعد الانتهاء من انشغالها في حرب فيتنام عام 1975 حين كنت ضابطاً في الجيش الأميركي بدأت قيادة الجيش تقدم لنا تدريبات على خوض حرب تقليدية بين جيوش وليس ضد مقاتلين في حرب العصابات وكان المبرر الافتراضي فيها هو قيام جيش الاتحاد السوفييتي فجأة بغزو ألمانيا الغربية وعند ذلك ستنتشر وحداتنا في غابة ألمانية للقيام بمهامها وبهذا الشكل أصبحت موسكو العدو المباشر المقبل لواشنطن وتبين لي أن الإدارة الأميركية تحتاج دوماً لوجود أو لخلق الأعداء لكي تحافظ على مهام وعمل كل مؤسسات الأمن القومي وتحقق من خلالها المصالح الكبرى».
وهذا حقاً ما سجله تاريخ الحروب الأميركية حتى الآن ففي أعقاب تفكك كتلة الاتحاد السوفييتي عام 1991 اختلقت واشنطن وحلفاؤها في دول الأطلسي عدواً جديداً هو ما أطلقت عليه اسم «إرهاب الإسلاميين المتطرفين» وبهذا الشكل قامت بوضع خطة تقوم على تحويل المجموعات المتحالفة معها من المجموعات الإسلامية المسلحة التي كانت تسلحها وتستخدمها ضد موسكو في أفغانستان والشرق الأوسط إلى عدو معلن.
وهذا في واقع الأمر ما فعلته واشنطن حين نشرت هذه المجموعات سراً في عدد من الدول التي أرادت استهدافها وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط. ومنذ سنوات التسعينيات حتى بداية عام 2022 بقي هذا العدو يشكل بؤرة أساسية ومبرراً لجدول عملها الامبريالي ويحقق لها انتشاراً حربياً في مناطق مختلفة وتحقق من استخدامه مصالح كثيرة إلى أن قررت واشنطن تحويل روسيا الاتحادية إلى عدو مركزي في شباط 2022 وما يسمى «الإرهاب» إلى عدو ثانوي قابل لتبرير سياسة الاحتلال والغزو والاستخدام المزدوج.
وهذا ما يشير إليه الآن عدد كبير من الخبراء والقادة السياسيين منذ استهداف روسيا من واشنطن والحلف الأطلسي ووضعها في خانة العدو الرئيس في هذه الحرب التي قد تطول وإن قصرت فسوف يكون لها شكل آخر لا يمنع استمرارها بطرق ووسائل أخرى لأن الولايات المتحدة بدأت تدرك بسبب عجزها عن تحجيم دور موسكو والعجز عن هزيمتها في ميدان أوكرانيا أن هذه الحرب ستكون آخر الحروب العالمية التي تخوضها للمحافظة على ما حققته في الحربين العالميتين السابقتين من مصالح امبريالية. ويختتم هورن بيرغير تحليله قائلاً: «ومنذ وجودي في معهد فيرجينيا الحربي منذ أكثر من خمسين عاماً لم يطرأ أي تغيير على هذه السياسة الأميركية ومبدئها في ضرورة خلق الأعداء».
وهذا المبدأ تطبقه واشنطن حين ترسل المزيد من قواتها وبخاصة المارينز إلى دول كثيرة ففي 20 من تموز الجاري أعلنت القيادة المركزية للقوات الأميركية (سينتكوم) أنها «تقوم بنشر المزيد من وحدات المارينز وعدداً إضافياً من السفن الحربية في الشرق الأوسط». وكانت الوحدات العسكرية الأميركية التي غزت منطقة شمال شرقي سورية قد زادت من عديد قواتها ووسعت بعض قواعدها وقامت بتشجيع مجموعات قسد المسلحة على زيادة عملياتها المسلحة في المنطقة وهذا كله لا يشير إلا إلى احتمال التحضير لما هو أوسع من تقديم الدعم أو محاولة «ردع» المناهضين للهيمنة الأميركية في المنطقة. فالمنطقة والعالم كله يشهد الآن بعد تطورات الحرب على روسيا والصين حالة فرز واستقطاب واضحة بين دول تريد البقاء خارج هذا الصراع ودول تنحاز إلى الموقف الروسي والصيني في مناهضة الغرب وأخرى تحافظ على بقائها ضمن التحالف مع واشنطن وبخاصة في أوروبا بينما تواجه واشنطن صعوبات كثيرة في تجنيد دول عديدة في آسيا لمصلحة حربها ضد الصين وربما لن تظهر النتائج النهائية لتطورات الفرز والاستقطاب إلا بعد انتهاء كل طرف من القوى الكبرى من رؤية رصيده من عملية الاستقطاب ولذلك يرى الخبراء في الشؤون الإستراتيجية العالمية في مختلف الدول أن ساعة الصفر لأي مجابهة حربية مباشرة بين القوى الكبرى لن تظهر بشكل مفاجئ لأن كل الدول الكبرى ترصد وتحسب حساب كل خطوة وموقف يعده كل طرف على النقيض من المفاجآت التي حملتها الحرب العالمية الأولى والثانية في مختلف مراحل تطورها الأولى. لكن معظم الآراء متفقة حتى داخل المعسكر الغربي على أن المواجهات التي تجري الآن سياسياً وعسكرياً لن تفضي إلا إلى ظهور نظام عالمي تفقد فيه القوى الكبرى الغربية الإمبريالية التاريخية عدداً كبيراً من مصالحها لمصلحة المعسكر الآخر وكل من وقف معه ضد الغرب من الدول المناهضة للهيمنة الغربية.