واشنطن واستحقاقات وجودها العسكري على الحدود العراقية السورية
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
يبدو أن موضوع وجود قوات الاحتلال الأميركية في شمال شرقي سورية أمام تزايد عجز القدرة الأميركية على حماية قواتها ووكلائها في تلك المنطقة سيشكل جدول عمل لم تتوقع واشنطن وحلفاؤها نتائجه عليها بعد التطورات التي شهدها العالم والمنطقة منذ تصاعد الحرب الأميركية – الأطلسية على روسيا وحلفائها في أوروبا وامتداد تأثيرها على الشرق الأوسط، فقبل عام تقريبا وصف بعض المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في نيسان 2022 بموجب ما نشره الموقع الإلكتروني الأميركي «جاست سيكيوريتي» أن واشنطن تبنت نفس الأهداف المعلنة التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب في موضوع استمرار بقاء القوات الأميركية في شمال شرقي سورية وعلى حدودها مع العراق وهي «تخفيض العنف بين القوى المتصادمة هناك، والاستمرار بمحاربة داعش، وتقديم الحماية للوحدات المسلحة الكردية، وتأكيد حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها بين حدود العراق وسورية»، لكن هذا العدوان الأميركي الصارخ على سيادة الأراضي السورية والعراقية وأهدافه، بدأ يتحول إلى موضوع وطني سيادي ملح على جدول عمل الدولتين السورية والعراقية اللتين تدركان أن داعش ليست موجودة في تلك المنطقة إلا بموافقة أميركية، وداعش تستهدفهما ولا تستهدف الوحدات الأميركية التي تقوم بتوظيفها كقوة احتياطية ضد من تريد، إضافة إلى توظيف ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» المسلحة بشكل علني لتقسيم سورية وتفتيت سيادتها، وهذا ما جعل وزارة الدفاع الأميركية تعد تقريراً تحذر فيه من تزايد أخطار المسيرات المتفجرة التي استهدفت منذ شهور وكان آخرها منذ أيام قليلة، مناطق وجود الوحدات الأميركية المنتشرة في التنف وغيرها من المناطق، وهذا ما جعل وزارة الدفاع الأميركية تؤكد أنها تواجه هناك مجموعات مقاومة مسلحة عراقية وسورية تستخدم المسيرات على طرفي الحدود بل إن عددا من المنظمات المسلحة العراقية وغيرها أصبحت قادرة على ضرب أهداف أميركية داخل بغداد وليس بين حدود سورية والعراق فقط، وإذا كان رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميللي قد أعلن في الرابع من آذار الجاري بعد زيارته للوحدات الأميركية المحتلة هناك أن بقاء تلك الوحدات «يستحق المخاطرة» فإن مجلة «وول ستريت جورنال» حذرت في تحليل موسع لها في 25 آذار الجاري من عدم قدرة الولايات المتحدة على إيقاف تصاعد «العمل المسلح الصاروخي ضد وحداتها العسكرية في شمال شرق سورية»، وأوضح العديد من المحللين السياسيين والعسكريين المختصين بالمنطقة ممن استشهدت المجلة بآرائهم أن واشنطن لن يكون بمقدورها في ظل التطورات الجارية في المنطقة وفي الحرب على روسيا، أن تغير من الاتجاه الذي ستسير نحوه دول المنطقة وهو تغير ليس في مصلحة واشنطن خاصة بعد الانفراج المتسارع الذي توصلت إليه الرياض وطهران وتزايد الدور الصيني لإبعاد دول المنطقة عن التدخلات العسكرية الأميركية، ولا شك أن إدارة بايدن أضعف من أن تفرض في هذه الظروف على أي دول صديقة لها في المنطقة وبخاصة العراق، اتباع سياستها ضد إيران وسورية في هذه الأوقات وهذا ما جعل الجنرال ميللي يعترف بوجود «مخاطرة أميركية تواجهها واشنطن من استمرار وجود قواتها شمال شرقي سورية لا بد من تحمل استحقاقها» بموجب ما جاء في وكالة «رويترز»، وربما كان الخوف من هذه المخاطرة هو الذي دفعه كقائد عسكري للجيوش الأميركية إلى زيارة وتفقد المنطقة.
القوات الأميركية المحتلة على جانبي الحدود السورية العراقية ستجد نفسها في منطقة معادية لها يحاصرها الجمهور السوري والعراقي في أرجائها من كل الجهات وعلى امتداد حدود تتجاوزها كل أنواع المسيرات المتفجرة التي تستخدمها منظمات مقاومة قادرة على الانتشار في أماكن متباعدة متنقلة وليست ثابتة وهذا ما أثبتته الأيام الماضية حين لم تستطع قوات الاحتلال الأميركية منع سقوط مسيرات استهدفت أفرادها ومنشآتها.
لا شك أن الزمن وظروفه الراهنة بعد التطورات العالمية التي فرضتها الحرب الأميركية – الغربية ضد روسيا في أوكرانيا، وتهيئة الحرب الأميركية على الصين، وتراجع القوة الأميركية في المنطقة، لن يعيد نفسه إلى عام 2015 وبداية الاحتلال الأميركي لشمال شرق سورية وتوظيف «قسد» لتفتيت السيادة السورية، فكل الظروف الآن تؤكد هزيمة هذا المخطط الأميركي وتفتيت قدرة وكلائه في شمال شرق سورية.