واشنطن تحرق أوهام التسويات
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
منذ اغتصاب فلسطين يتصرف الغرب الاستعماري بمنطق تقادم الأمر الواقع وهو يعمل لتثبيت وجود الكيان الاستيطاني الاستعماري ولفرض الاعتراف به على الحكومات العربية التابعة والخانعة التي تجندت في العقود الخمسة الأخيرة لترويج منطق التسوية والاعتراف تحت مظلة مشاريع السلام الأميركية المستنبتة من نصوص قرارات الأمم المتحدة حمالة الأوجه على هوى توازن القوى والمعادلات القائمة على الأرض.
تثبيت الاعتراف بالدولة العبرية والتعامل معها تحت شعار التطبيع هو غاية جندت لها آلة إعلامية ضخمة منذ امد بعيد وسخرت في سبيلها عمليات اختراق وتجسس لتأسيس سوابق جارية في العلاقات العربية الصهيونية المنتقلة بين السرية والعلنية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والإعلامية والأمنية والعسكرية.
تمكنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا منذ عام 1948 ان تروض العديد من الحكومات والجهات العربية الفاعلة إلى درجة انخراط حكومات عربية في أفعال شراكة مادية بخطط الحروب العدوانية الصهيونية كما جرى في عدوان تموز 2006 على لبنان وكما يجري في حرب اليمن ووفقا لما يروج عن حلف عربي صهيوني ضد إيران.
وقد رفع الأميركيون حرارة الحماس العربي لمعاقبة إيران على التزامها بفلسطين منذ تأسيس الجمهورية وهو التزام فضح الخنوع العربي الرسمي لأنه تم التعبير عنه بأفعال دعم ومساندة لفصائل المقاومة في فلسطين ولبنان وبحلف استراتيجي شامل ومتجذر مع الجمهورية العربية السورية التي تمردت وحيدة على منطق التسويات وفضحت سلامها المزعوم.
خلال السنوات العشرين الأخيرة تقدم منطق الاعتراف بالدولة العبرية وجرى اختزال قضية فلسطين إلى مجموعة مطالب فلسطينية تتعلق بتحسين ظروف العيش تحت الاحتلال مع التسليم بإسقاط حق العودة وتم بالمشيئة الأميركية اختزال حلم أنصار التسوية بالدولة المستقلة ومسخه إلى رمزيات العلم الفلسطيني وفرق التشريفات ضمن هياكل سلطة إدارية شكلية مستتبعة بشرايين وجودها في أي رقعة مختارة تبعا لمصالح وحش الاستيطان المكرس في معظم انحاء الضفة الغربية المحتلة.
من ثمار التدجين الأميركي السعودي للقيادة الفلسطينية الرسمية البائسة ان يجري التلاعب بالمسميات فتنقل فلسطين إلى جزء من سيناء وتعتبر تلة أبو ديس قدسا يقبلها محمود عباس ويكلف بالمقابل بترويج الكذبة على شعبه بمعونة سخية سعودية خليجية.
أن تكون سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب ام في القدس ففي الحالين تثبيت الاعتراف بالكيان الصهيوني لكن في منطق التسوية الافتراضي تسقط ورقة التوت وتنفضح كذبة الدولة في الصفة الغربية في الخطاب الأميركي فهل يسقط الوهم الذي روجه المستسلمون لنصف قرن من الزمن واكثر ؟
ما يهمنا ان يعي شباب فلسطين المعنى وان يفهموا حصيلة التجربة المريرة لأجيال المراهنين على التسويات تحت الرعاية الأميركية والدولية وبتحفيز شديد من الرجعية العربية وهي منظومة قامت على انقاض حلم التحرير وحق العودة وقبلتها قيادات مهزومة عكس دروس التجارب الغنية لأجيال من الثوار الذي قاتلوا وقاوموا حتى الرمق الأخير من اجل شعبهم وفي سبيل حقه التاريخي الذي لا يقبل التجزئة ولا المساومة.
عندما تكرس الولايات المتحدة اعترافها بالقدس عاصمة لكيان العدو فهي تقول لأصحاب وهم التسوية ان اللعبة انتهت وأن أوان التصفية التامة لقضية فلسطين يقترب وهي لذلك تسقط آخر الحواجز الافتراضية بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة لتحفز طبخة الاستسلام الجارية.
تتحرك عمليات الاعتراف والتصفية بعد خمسين عاما من احتلال الضفة الغربية التي ينهشها وحش الاستيطان وبعدما تحول فيها الوجود الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو إلى جزر متناثرة في أرض يحتلها الصهاينة وتمزقها الكتل الاستعمارية بينما قطاع غزة الذي تحرر بالقوة وبتضحيات أجيال من المقاومين الأشداء من جميع الفصائل والتيارات الوطنية الفلسطينية يختنق بالحصار الذي تشارك فيه بعض القيادات المرتبطة بحكومات ترويج التسويات والاعتراف بالعدو كتركيا وقطر والسعودية وهي شريكة في رسم الخرائط الافتراضية المتداولة للكيان الفلسطيني الممسوخ.
قيل الكثير في وصف حالة التردي ولكن من هتكوا حجب التضليل هم رسل المقاومة الجديدة من أبناء فلسطين الأشداء باسل الأعرج ورفاقه ورفيقاته الذين واللاتي يتمسكون بالمقاومة نهجا وطريقا للتحرير وهذا هو السبيل الذي تجزم بصوابه دروس التجارب وهو النهج الذي أعاد إثبات جدواه في دحر الغزوة الاستعمارية على أرض لبنان وسورية والعراق وهو ما يرعب كيان العدو الراغب في شن حروب جديدة لاسترجاع هيبة الردع.
استنكار الخطوة الأميركية جيد ومفيد لكنه يفترض ان يقترن بفكرة التحرير وليس بمنطق التسوية المفجوع بسقوط احد مرتكزاته الوهمية فقد آن الأوان لدفن تلك النفايات المتراكمة والعودة إلى أصل الأشياء وجذورها …