واشنطن تجند جواسيس بذريعة تطوير القدرات
موقع العهد الإخباري-
يونس عودة:
يبدو النشاط الأميركي في العالم، ولا سيما بوجوهه القذرة، أكثر اصرارًا في الآونة الأخيرة، بعد الفشل المتكرر للخطط الأميركية في الوصول إلى غاياتها، باستثناء ما تخلّفه من موت وقتل ودمار في البلاد التي تجعلها الولايات المتحدة ضمن استهدافاتها، اذا فشلت في تطويع سلطات تلك البلاد وتحويلها إلى دمى تتحرك عن بعد.
تعمل الولايات المتحدة الأميركية على تجديد وتطوير الأساليب، ولا سيما في استقطاب وتجنيد الجواسيس على كل المستويات، وتركز بشكل أساسي على اختراق المؤسسات الرسمية حيث تتجمع المعطيات والمعلومات المتعلقة بالدولة وعملها، وكذلك الجمعيات والنقابات، بالإضافة الى القوى والجماعات السياسية التي يمكن أن تتحول إلى أبواق تروّج لـ”الحلم الأميركي” القاتل للانتماء الوطني، لا سيّما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة بث وتناقل السموم والشائعات من جهة، والتأثير على المجتمعات والدول من خلال الحروب النفسية من جهة ثانية، فتختلط السياسة بالسمسرة. إلا أن تجنيد الاعلام مؤسسات وأفرادًا، أفردت له المخابرات الأميركية حيزًا واسعًا، وهو ما جرى الاستثمار فيه في لبنان منذ بداية التدخلات الأميركية في المنطقة التي ازدادت وقاحة منذ العام 2000 مع اندحار قوات الاحتلال الإسرائيلي عن أرض الجنوب، وتعاظمت أكثر بعد الهزيمة المدوّية للحرب الأميركية على لبنان بتنفيذ إسرائيلي عام 2006 وبمشاركة شريحة لبنانية في السلطة والسياسة والاعلام. وقد تحول المجنّدون فيها إلى ما يشبه الأرِقّاء (العبيد) عند الأميركي صاحب الإمرة، وعملوا على التنكيل بالوطن كانتماء ثقافي وحضاري تاريخي، وليس بالخصوم السياسيين حصرًا.
وفق معطيات تتجمع لدى جهات تراقب النشاط الاستخباراتي الأميركي عن كثب، فإن من تم تدريبهم منذ العام 2004، من الدائرين في فلك الاعلام فقط، في الولايات المتحدة، يتجاوز 700 شخص، لمهام مختلفة أبرزها العبث بالمبادئ، والانتماء الوطني، وكيفية التضليل والتضخيم. وقد تحول بعض الاعلام إلى الاجرام بحق لبنان من خلال فبركات توهن العزيمة الوطنية، وتربك المكونات اللبنانية، وتشوّه القيم الأخلاقية تحت شعارات الحرية الفردية. ولاحظت تلك الجهات أن عملية توظيف المجنّد تتكون من ثلاث مراحل أساسية: الاكتشاف، التطوير، والتوظيف.
ففي عملية الاكتشاف هناك وسائل عدة أبرزها تحديد الأشخاص المستعدين للتجسس أو لتقديم معلومات ـ بغض النظر بداية عما اذا كانت ذات فائدة أم لاـ ويجري الأمر إما بالتواصل عبر الانترنت مع الشخص الهدف أو عبر ترشيحات من عملاء محليين يعمل بعضهم في منظمات NGOs.
بعد التدقيق في ماضي هذا الشخص والثغرات التي يمكن النفاذ إليه منها، يتم وضعه تحت الاختبار. ومن الواضح أن الثغرات في لبنان على المستوى الفردي لا تعد ولا تحصى مع العبث بالمفاهيم الوطنية من قوى سياسية طالما كانت تحت وصاية خارجية.
أما عملية التطوير، فتبدأ مع الانتهاء من فترة اختبار العميل، حيث يجري تدريبه على المهارات التي يتطلبها عمله كجاسوس. ويختلف نوع التدريب ومكانه وطبيعته باختلاف ظروف العملية، ويكون التدريب في بعض الحالات دقيقًا أو يترك للعميل حرية العمل معتمدًا على غريزته وموهبته.
في التجربة الأميركية في لبنان أثبت الكثير من المتعاونين أنهم غير صالحين لتقديم تلك الخدمات، أو أن تلك الخدمات لا تساوي قيمة الارتزاق المدفوع، لذلك تم الاستغناء عن البعض وغاب البعض الآخر عن الصورة بعد استنفاده، وبعض ثالث يعاد تأهيله لمهام مقبلة لا سيما مع تغيّر قواعد وأساليب التخفي والتزييف، وهو ما جعل أجهزة الاستخبارات أكثر تحديثًا لخططها لإخفاء أسرارها. لكن هناك مجموعة من اللبنانيين في الاعلام والسياسة أثبتت قدرة فائقة في الوقاحة وكذلك في الحماقة، ولا يضيرها أن تكون من جنس “الرِقّ”.
أما مواجهة أولئك الطفيليين، فهي مهمة ملقاة على عاتق السلطات التي يجب أن تنبري إلى تحصين الانتماء واطلاق يد القضاء بعد تطهيره من الغث والانصياع، ومن الذين “يتشرفون” بمقابلة سفراء الدول الأجنبية خفاء لتلقي التوجيهات. هذه الاجراءات تمكّن اللبنانيين من لفظ قاذورات واشنطن كما يلفظ البحر النفايات البلاستيكية، حتى لو كانت الخطط متكاملة ومتقنة، ويوظف لها ما في خزائن “لانغلي” وأتباعها. ولا يشكن أحد أنه عندما تصطدم المؤامرات مهما كانت محترفة بالواقع الوطني المحصن، فإن الواقع ينتصر حتمًا.
بلا شك إن امتلاك المعلومات والمعطيات عن الأعداء والخصوم، وكذلك الحلفاء، يشكل الركيزة الأساسية التي تبنى عليها الخطط، لا سيما اذا كان المراد هو المواجهة أو الابتزاز أو الاستتباع، فكيف اذا كان الهدف هو شن الحروب؟ والهدف الأخير هو إحدى أهم وأقذر ركائز ما نشأت عليه الولايات المتحدة من دون تطوير المفاهيم أكان في الغزو المباشر، أو من خلال القتلة الاقتصاديين.
في الواقع، إن أنماط وأساليب تجنيد العملاء والجواسيس يطرأ عليها تغييرات نظريًا وميدانيًا مع التقدم التكنولوجي، ليصبح العامل التقني والتكنولوجي هو المحرك الأساسي في عمليات التجنيد والتجسس خاصة.
في هذا السياق، أعلن مدير المدرسة السيبرانية التابعة للقوات البرية الأمريكية العقيد “بريان وايل”، عن فتح باب التجنيد أمام “قراصنة حكوميين” في الجيش الأمريكي مع تقديم مغريات نفسية ومعنوية خصوصًا مع تراجع نسبة الانضمام إلى الجيش الأميركي. وهذا ما أثار مخاوف القيادات العليا من إصابات نفسية مجتمعية أدت الى التلكؤ والامتناع عن التطوع، خصوصًا بعد الهزائم للقوات الأميركية ولا سيما في تجربتي العراق وأفغانستان، حيث تخلت الاستخبارات الأميركية عن آلاف المجندين الذين حاولوا التسلق على الطائرات المغادرة، فمنهم من لقي حتفه ومنهم من هو مشرد في هذا البلد أو ذاك، جراء تبدد “الحلم الأميركي” وتخلي أميركا عن عملائها كمجرد أضرار جانبية.
لقد قدم “وايل” إغراء المتخصصين في الحرب الإلكترونية، بصورة سؤال: “هل تريد أن تصبح قرصانًا حكوميًا؟ سنطور مهاراتك في العمليات الهجومية والدفاعية، الدفاع، الهجوم، استغلال نقاط ضعف” العدو. وذكر موقع الجيش الأمريكي على الإنترنت أن “ساحات المعارك في القرن الواحد والعشرين تحولت إلى الفضاء الإلكتروني، حيث تشكل الشبكات الضارة وهجمات التصيد المتطورة والفيروسات والتهديدات الإلكترونية الأخرى تهديدًا مباشرًا للبنية التحتية الحيوية للبلاد وأمن مواطنينا. أيها المحارب، ستكتسب المهارات والتدريب الضروريين لحماية البلاد من العدد المتزايد من التهديدات في الفضاء الإلكتروني”.
إن الاغراء المقدم إن دل على شيء في الجوهر، فإن مختصره يكمن في أن الولايات المتحدة تشعر باقتراب أفول غطرستها، وهو أقرب إلى المناشدة لتصنيع “رامبويات” ينجحون على الشاشات مثل نشر الأكاذيب والأوهام في الإعلام، لكن الواقع يطويهم.