واشنطن بين حرب باردة وأخطار المناخ
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
تشير معظم التوقعات السياسية لمراكز الأبحاث في أوروبا والعالم إلى تزايد احتمالات أن تلجأ السياسة الأميركية إلى استغلال وضع طالبان الجديد في كابل لتجنيد الحركة في جبهة حرب باردة جديدة تقودها الإدارة الأميركية ضد الصين وروسيا وحلفائهما، وتدل التصريحات الأميركية الراغبة بالتقارب مع طالبان وتجاوب تصريحات قادة الحركة معها في الأيام القلية الماضية على رهان واشنطن على نجاح هذه السياسة.
وبالمقابل يرى الخبير العسكري لصحيفة «ذي نيشين» الأميركية المعتدلة البروفيسور ميخائيل كلير الذي صدر له كتاب بعنوان «حروب الموارد والدم والنفط الأميركية» في تحليل نشره بمجلة «ريسبونسيبيل ستيت كرافت» قبل يومين أن الإدارة الأميركية لن تستفيد كثيراً من حرب باردة تفرضها على الصين وروسيا ولن تنجح مثل هذه الحرب على المدى الطويل لأن جميع القوى الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة ستصطدم بحرب كبيرة بدأ التغير في المناخ والبيئة بفرضها، وظهرت أخطارها قبل أيام في أميركا وأوروبا وفرضت نتائجها وكوارثها النسبية على دول لم تنجح في مجابهتا.
ويشير كلير أن الصين بالمقابل بدأت تعول على عاملين متوازيين وتضع لهما الخطط المستقبلية على مدى عشرين عاماً وهما: زيادة قدراتها العسكرية المتطورة لتحقيق قوة ردع في مجابهة أسلحة الولايات المتحدة وكذلك زيادة خططها لحماية الصين وشعبها من الأخطار التي يولدها تغير المناخ على العالم كله تقريباً وضمان حماية المدن، في حين لم تتخذ الإدارات الأميركية أي خطط من هذا القبيل إلا في هذا الوقت بالذات، ويؤكد كلير أن القيادة الصينية تدرك أهمية استمرار زيادة نسبة النمو الاقتصادي ودخل المواطنين وحمايتهم من الكوارث المتوقعة والمقبلة لتغير المناخ والدور الذي يشكله هذا العامل في المحافظة على متانة ووحدة الجبهة الداخلية وقيمته في ميزان القوى المطلوب لمصلحة الصين في مجابهة القوة الأميركية، وبالمقابل يشير كلير إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أدركت متأخرة أهمية هذا العامل فطلبت من وزارة الدفاع أن تعد طبعة جديدة لإستراتيجية الدفاع القومي تضع في أولويتها مجابهة أخطار البيئة وتغير المناخ على الأمن القومي، ويرى كلير من هذا التوافق في أهمية مجابهة أخطار البيئة لدى الطرفين عاملاً يدفع كل طرف منهما إلى الانشغال أكثر فأكثر في موضوع حماية مصالحه بالاستناد إلى مجابهة أخطار تغير المناخ حتى مع استمرار الحرب الباردة التي ستظل تدور دون أن تغير شيئاً ضد الصين وروسيا.
في نفس المجلة، يسخر أناتول ليفين من تركيز اهتمام الإستراتيجية الأميركية العسكرية على القوة الصينية في عنوان تحليله ويسأل: «لماذا يغرق الأميركيون في نيويورك ولا تغرق البحرية الصينية؟»، وينتقد ليفين في تحليله إدارة بايدن وموافقتها على نفقات عسكرية كبيرة جداً بهدف مواجهة الصين دون أن تنفق على حماية أميركا من أخطار تغير المناخ وهي التي أكدت في برنامجها السياسي على إعطاء هذه الموضوع أهمية مناسبة.
فبعد الهزائم التي لحقت بالولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما وعهد الرئيس السابق دونالد ترامب في منطقة الشرق الأوسط وانتصار سورية وحلفائها على الخطط العدوانية الأميركية وانسحاب قواتها من العراق وتزايد متانة التحالفات الروسية والصينية مع أطراف محور المقاومة خضعت السياسة العدوانية الأميركية إلى تراجع في قدرتها على حماية حلفائها وتمكنت روسيا من إحباط مؤامرة واشنطن مع أوكرانيا وبعض دول البحر الأسود لزعزعة استقرارها، كما أجبرتها هذه التطورات على اختيار طرق أخرى في التعامل مع أفغانستان واضطرارها إلى الانسحاب المذل منها للبحث عن شكل جديد للعلاقة مع طالبان وتوظيفها بدلاً من محاربتها التي دامت عشرين عاماً.
لا شك أن هذه التطورات الواضحة في هذا العقد تدل على أن الامبريالية الأميركية لم تعد قادرة على تحقيق التوسع في نفوذها في مناطق كثيرة، كما لم تعد قادرة على حماية حلفائها أو منع بعضهم من اتخاذ سياسات مستقلة نسبياً عن هيمنتها وهذا بدوره سيزيد من تدهور القوة الأميركية في أكثر من ساحة ومنطقة وعلى مستوى العالم حتى لو فرضت حربها الباردة.