واشنطن بوست: مستقبل “إسرائيل” على المِحَك
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالًا عن الأوضاع الداخلية في إسرائيل في أعقاب تفشي جائحة فيروس كورونا المُستجد، والاتفاق الأخير لتشكيل حكومة الوحدة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه السابق بيني جانتس.
وجاء في المقال أن جائحة فيروس كورونا المُستجد قد تكون مدمرة للعالم، لكنها أثبتت أنها أكبر نعمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إذ ساعدت حالة الطوارئ الصحية العامة نتنياهو في تأخير محاكمته بالفساد حتى أواخر شهر أيّار / مايو بتهم الاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة.
المقال ذكر أن حالة الطوارئ الصحية خلقت أيضًا الضغوط التي مكّنت رئيس الوزراء المراوغ من كسر تحالف المعارضة الرئيسي ضده، وإنهاء الشلل السياسي الذي أعقب ثالث انتخابات إسرائيلية في أقل من عام، وتشكيل الحكومة الخامسة والثلاثين للبلاد، مرة أخرى، وتولي رئاستها.
ويضيف كاتب المقال بالقول “تطرق زملائي الأسبوع الماضي إلى الحديث عن تعقيدات حكومة الوحدة التي شُكلت بين نتنياهو وخصمه السابق بيني جانتس. وكتبوا أن «التركيبة التفاوضية المؤلمة تتسم بأنها مُقسمة ومتعددة، مع تقسيم السلطة بين معسكرين معاديين وتضخم عدد الوزارات ليسفر عن أكبر حكومة في التاريخ الإسرائيلي». وأضافوا: «سوف يتناوب نتنياهو وجانتس على منصب رئيس الوزراء، مع تولي نتنياهو أول 18 شهرًا. وسيعمل كل منهم نائبًا للآخر، ما يتطلب وجود موظفين موازين ومقر إقامة رسمي ثانٍ».
تكثر الأسئلة حول قدرة هذا الفريق من المنافسين على الحكم، وكيف ستؤثر محاكمات نتنياهو على مصداقية جانتس. وحول ذلك، كتب أنشيل بفيفر، أحد كُتّاب الأعمدة في صحيفة «هآرتس»: «تحول جانتس من كونه الصوت الأخلاقي الذي ظل يدعو إلى عزل رئيس الوزراء المتهم طوال الخمسة عشر شهرًا الماضية، إلى كبير المحامين والمدافعين الآن عن رئيس الوزراء المتهم».
علاوة على ذلك، هناك مسألة ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة. يتضمن الاتفاق بين غانتس ونتنياهو فقرة لدفع خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب وادي النهر (غور الأردن) التاريخي المتاخم للأردن، اعتبارًا من الأول من شهر تموز / يوليو. وكل هذا يجري العمل فيه منذ أمد طويل، بمباركة ما يُسمى بـ«رؤية» إدارة ترامب، التي تلقت انتقادًا لاذعًا على نطاق واسع، لـ«السلام والازدهار» في المنطقة، يأمل نتنياهو وحلفاؤه في اليمين الإسرائيلي في بسط سيادة إسرائيل على الأقل على بعض المستوطنات اليهودية الـ 128 التي تنتشر الآن في الضفة الغربية.
ومثل هذه الخطوة، في حين هللت لها الجماعات الموالية للمستوطنين في إسرائيل وقاعدة الرئيس ترامب الإنجيلية في الولايات المتحدة، قد تكون بداية غير مقبولة لجيران إسرائيل من العرب وتعارضها بشدة كثير من دول المجتمع الدولي، وكبار مسؤوليّ السياسة الخارجية في واشنطن، وأصوات رئيسية في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
وجاء في رسالة موجهة إلى غانتس، الذي كان نفسه قائد جيش سابق، ووقعها نحو 220 ضابطًا رفيعًا سابقًا في أجهزة الأمن الإسرائيلية، «أن أي ضم من جانب واحد من شأنه على الأرجح أن يطلق سلسلة من ردود الفعل التي لن تكون لإسرائيل سيطرة عليها، مما يؤدي إلى انهيار الأجهزة الأمنية الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. وهذا، بدوره، يتطلب من إسرائيل السيطرة الكاملة على الضفة الغربية بأسرها، وتحمل مسؤولية حياة 2.6 مليون فلسطيني».
وهذا سيناريو له آثار مقلقة بالنسبة لأولئك الذين يريدون أن تكون إسرائيل دولة ذات أغلبية يهودية وديمقراطية. وأشار إلى أنه «إذا لم تكن هناك فلسطين، سيكون محكومًا على إسرائيل أن تصبح دولة ثنائية القومية بدلًا من دولة يهودية، أو تتبنى نظام فصل عنصري تحكم فيه (إسرائيل) ملايين الفلسطينيين، ولكنهم سيفتقرون إلى التمتع بالحقوق السياسية الكاملة».
لكن الضم ليس أمرًا واقعًا بعد. حيث قال فدانييل شابيرو، سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، في مؤتمر صحفي افتراضي عقده منتدى السياسة الإسرائيلي (وسط)، إن موقف غانتس بشأن الضم «يتسم بالفتور»، على الرغم من أن شابيرو أضاف أنه من غير المرجح أن «يُقدم غانتس على الإلقاء بنفسه أمام هذا القطار» عندما يطلق نتنياهو شارة انطلاقه.
ومع ذلك، جادل شابيرو بأن «التنفيذ الفعلي» لأي شكل من أشكال الضم «مستحيل بدون عملية تقنية مكثفة للغاية»، وهي عملية قد يكون من الصعب على الحكومة الإسرائيلية حلها قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر عقدها في شهر تشرين الثاني / نوفمبر، وحينها قد يرى نتنياهو ترامب، الذي شجع إسرائيل على هذا المسار، هُزم من منافس يرغب في انسحاب رئيس الوزراء (الاسرائيلي) من الأراضي التي ضمها.
وحذر جو بايدن، المرشح الرئاسي الديمقراطي ونائب الرئيس السابق، من الضم ومن سعي إسرائيل لتبني سياسات من شأنها أن تعّرض دعم الحزبين لها للخطر، خاصة من الديمقراطيين الشباب الذين ساءت وجهات نظرهم في إسرائيل في ظل حكم نتنياهو الطويل.
ويجادل المنتقدون اليساريون بأن مثل هذا الذعر متأخر جدًا. ويقولون إن أسلاف ترامب لم يبذلوا جهدًا يُذكر لوقف توسيع المستوطنات الإسرائيلية، ولا حتى معارضة حقيقة حرمان الفلسطينيين القائمة بالفعل.
وفي هذا الصدد، كتب حاجي إلعاد، المدير التنفيذي لـ«بتسليم»، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية: «على مدى عقود من الزمان بلا توقف، كان المجتمع الدولي هو الذي لم يفوت فرصة لتفويت كل الفرص المتاحة لإحداث فرق فعلي، واكتفى بتقديم الكلمات ولكن دون فعل على مدى سنين من القلق المزعوم». وأضاف إلعاد: «الآن، ومرة أخرى، يجري التعبير عن القلق بشأن الحفاظ على الاحتمال النهائي لحل الدولتين». ويعقب مستغربًا: «من الصعب تخيل تأطير المسألة بعبارات أضعف أو أكثر إبهامًا أو غموضًا من ذلك».
وأعرب جيريمي بن عامي، رئيس «جي ستريت»، وهي منظمة ليبرالية مؤيدة لإسرائيل في واشنطن تدعم حل الدولتين، عن أسفه للكيفية التي التحق بها حزب العمل الإسرائيلي، المتضائل دوره، بركب نتنياهو ، الأمر الذي يشير إلى المدى الذي وصل إليه التجاذب السياسي على اليمين.
وقال بن عامي لنشرة «تودايز وورلد فيو» الإخبارية، التابعة لـ«واشنطن بوست»: «نشعر بخيبة أمل شديدة لعدم وجود معارضة قوية لما تفعله حكومة بنيامين نتنياهو».
وفي الولايات المتحدة، القصة مختلفة، كما يقول بن عامي إنه «بالنسبة للديمقراطيين، فإن المواقف التي يتخذونها -لا سيما في معارضة الضم- هي المواقف التقليدية للحزبين، وهي المواقف التي اعتادت الإدارات الجمهورية اتخاذها»، لكنه أضاف أن إسرائيل الآن لم تعد «خارج الدوامة الحزبية»، وأصبحت بالنسبة للجمهوريين هدفًا للحروب الثقافية الأمريكية التي يخيم عليها شبح الاستقطاب. وتابع: «كل من نتنياهو وترامب، جعلا إسرائيل قضية إسفين حزبية، وهما يدمران عقودًا من الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الحزبين».
المصدر: https://www.washingtonpost.com/…/israel-nears-point-no-ret…/