هل يوفّر “الكابيتال كونترول” براءة ذمّة للمصارف؟
موقع العهد الإخباري-
فاطمة سلامة:
بُحّ صوت عدد من الخبراء والاقتصاديين والسياسيين من المطالبة بإقرار قانون “الكابيتال كونترول” دون أن يستجيب من هم في موقع المسؤولية. أكثر من عامين والمماطلة سيد الموقف. ثمّة تهرب مقصود مارسه البعض هربًا من “كابيتال كونترول” يُقيّد حركة أموالهم الى الخارج. وعندما بوشر العمل على القانون خضع لأشهر من المدّ والجزر قبل أن يتم إرساله الى الحكومة. هناك، سُجّل اعتراض على الطريقة التي عُرض فيها مشروع القانون. كما سُجّلت ملاحظات على بعض البنود التي حملت وجهة نظر أهل السياسة والمصارف متجاهلة وجهة نظر المودعين الحلقة الأضعف في الأزمة الحاصلة.
واذا كان “الكابيتال كونترول” بالمعنى الاقتصادي هو مجموعة قيود تضعها الدولة على تحويلات رؤوس الأموال من الداخل الى الخارج، فإنّ “الكابيتال كونترول” بالصيغة التي أدرج فيها لم يُحقّق الهدف الأساسي منه، وفق ما يقول أهل العلم والاختصاص. هؤلاء يؤكّدون أنّ القانون لم يأت على قدر الوقت المهدور لإنجازه. ثمّة ثغرات عديدة جعلت منه قانونًا “ناقصًا” ومجحفًا بحق المودعين الذين يجب أن تُدرج أحقية ودائعهم في مقدّمة القانون.
فياض: ملاحظات عديدة لم تؤخذ بعين الاعتبار
عضو كتلة الوفاء للمقاومة وهو عضو لجنة المال والموازنة النائب الدكتور علي فياض يُسجّل جُملة ملاحظات على الصيغة التي أقر بها القانون المذكور في مجلس الوزراء. أولًا، ثمة ملاحظات على الشكل، فالنسخة الجديدة للقانون وزّعت داخل جلسة الحكومة في الوقت الذي تتضمّن فيه بنودًا تحتاج الى درس من قبيل تشكيل لجنة برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تتمتع بصلاحيات واسعة بما فيها الصلاحيات التشريعية. ثانيًا، أدخل عنوان جديد على النسخة لتنظيم سوق القطع، وثالثًا تضمّن القانون بندًا يمنع فتح حسابات مصرفية جديدة الا وفق عناوين محددة وإنجازات مسبقة، فضلًا عن أنّ النسخة الموزّعة غير موقّعة ومن غير المعروف اذا كانت اقتراحَ أو مشروعَ قانون.
ويلفت فياض الى أنّ لجنتي “المال والموازنة” و”الادارة والعدل” ناقشتا مطولًا وعلى مدى نحو سنة مشروع القانون، وسجلتا ملاحظاتهما عليه لكن للأسف لم تؤخذ بعين الاعتبار. لذلك طلب النواب -وفق فياض- حينها من الحكومة أن يحال القانون وفق الأصول كاقتراح أو مشروع قانون من الحكومة. وعليه، أعيد سحب “الكابيتال كونترول” حتى تقره الحكومة وتحوله كمشروع قانون متبنى من الحكومة يراعي الأصول في تحويل مشاريع القوانين.
ويشير فياض الى تضمين المشروع نقاطًا جذرية تحتاج الى درس لا يصح حيالها توزيعه على عجل داخل الجلسة الحكومية، معتبرًا أن المادة الأولى في القانون يجب أن تؤكد حق المودعين في ودائعهم قبل أن تتحدّث عن القيود والضوابط الاستثنائية.
كما يشير فياض الى أنّ ثمة عناوين تم الاتفاق عليها سابقًا لم تدرج في المشروع كالتحاويل بهدف التعليم التي يجب أن تكون مستثناة من القيود. وفي ما يتعلق بتحاويل الاستشفاء، لا يجب أن تكون كما هو الحال في المشروع الحالي بالمطلق وبدون قيد، بل لا بد أن تلحظ الاستشفاء الذي لا يوجد إمكانية لمعالجته في لبنان. نقطة أخرى يُسجّل عليها فياض ملاحظاته تتعلّق بضرورة أن تكون الرواتب محرّرة وخارج “الكابيتال كونترول” لكن جرى تضمينها للأسف بموجب المشروع الحالي. هذه أبرز الملاحظات، يقول فياض الذي يشير الى أنّ ثمّة ملاحظات أخرى لم تتضمنها الصيغة الجديدة.
أما الملاحظة “القاتلة” وفق تعبير فياض، فترتبط بأنّ “الكابيتال كونترول” كان يجب أن يصدر في الأيام الأولى للأزمة لكن هذا لم يحصل، وبما أنه تأخّر كان يحب أن يصدر بعد خطة “التعافي” كي يعلم المودعون ما هي خطة الحكومة لإعادة ودائعهم قبل الحديث عن استثناءات لكن هذا الأمر لم يحصل. وهنا يشير فياض الى وجهة نظر الحكومة التي تقول إنها مجبرة على إصدار “الكابيتال كونترول” لأنّ صندوق النقد الدولي يعتبره مطلبًا إصلاحيًا لا بد من إقراره لإعطاء المساعدات، فضلًا عن أنّ ثمة حاجة عملية حتى ولو تأخر لوقف الاستنسابية لتعاطي المصارف مع المودعين.
حمادة: “الكابيتال كونترول” بالصيغة الحالية لم يحقّق أهدافه
بدوره، الخبير المالي والاقتصادي الدكتور حسن حمادة ينطلق بداية من الإشارة الى أنّ “الكابيتال كونترول” يتضمّن هدفين أساسين؛ الأول منع خروج كبار الرساميل من البلد، والهدف الثاني -وهو مهم جدًا- حصر الكتلة المالية والنقدية داخل البلد وذلك لمعرفة حجم الكتلة التي على أساسها تتم صياغة السياسة المالية والنقدية، بالإضافة طبعًا الى أن “الكابيتال كونترول” هو مطلب من مطالب صندوق النقد الدولي. لكن للأسف -يقول حمادة- فالهدفان الأساسيان اللذان تتم صياغة “الكابيتال كونترول” على أساسهما ليسا موجودين ضمن الاقتراح الحالي والذي عدلت عليه الحكومة لإعادة إرساله الى مجلس النواب.
يحمي المصارف من الملاحقة القانونية
ويشدّد حمادة على أنّ “الكابيتنال كونترول” كان يجب أن يُقر -بين ليلة وضحاها- منذ بدء اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019، لكنّه تأخر لمصلحة كبار النافذين لتهريب أموالهم. كان يجب أن يُقر قبل فتح المصارف لمنع هروب الرساميل. ومن هنا كانت الملاحظة الأولية على المشروع الحالي الذي يبدأ العمل به من نيسان 2020، والذي لم يلحظ الرساميل التي هربت من تشرين الثاني 2019 حتى نيسان 2020 والتي بلغت بحسب التقديرات مالبغ كبيرة تراوحت بين 6 و10 مليارات دولار. ماذا يعني ذلك؟ يعني -وفق حمادة- إعطاء نوع من براءة الذمة للأموال التي خرجت، وبالتالي يأتي مشروع “الكابيتال كونترول” لحماية بعض الأطراف وخصوصًا المصارف من الملاحقة القانونية لاحقًا، فضلًا عن إهمال موضوع أساسي يتعلّق بكيفية تعامل المودعين والمستثمرين والتجار مع قضية الاستيراد خصوصًا أنّ المشروع “قُيّد” بفترة زمنية طويلة تبلغ 5 سنوات، بينما يُفترض أن يتراوح منطقيًا بين 6 أشهر وسنة ما يعرقل عمل المستثمرين، ويضع سقوفًا طويلة الأجل في وجه المودعين.
ويستنتج حمادة أنّ “الكابيتال كونترول” لم يتم وضعه لإرساء خطة اقتصادية بل لتقديم براءة ذمة للمصارف، وبالتالي ثمة خطورة كبيرة يجب أن يعلم المودع بموجبها أن أمواله “ضاعت” لأن ثمة اقتراحات لـ”لولرة” الودائع بحيث يتم تحويل 60 بالمئة من الودائع أي 60 مليار دولار الى الليرة اللبنانية، مع ما يحمله هذا الأمر من خطورة قد تترجم بـ”تضخم مفرط” في حجم الكتلة النقدية وتآكل للقدرة الشرائية وغيرها من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد والنقد في لبنان.
في الختام، يأسف حمادة فقانون “الكابيتال كونترول” يجب أن يكون جزءًا من خطة كاملة متكاملة تلحظ كل شيء في خطة الانقاذ، لكنّه لم يأت كذلك.