هل يقوض “ميثاق المستقبل” سيادة الولايات المتحدة؟
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، أعرب رام إيمانويل، أول رئيس أركان خلال فترة الرئيس أوباما، علانية عما يدور في داخله بقوله : “لا نريد أبداً أن تذهب أزمة خطيرة هباءً. في الآونة الأخيرة، استخدم من نصبوا أنفسهم أسياداً للكون، مثل رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب، جائحة كوفيد-19 لتبرير ما يسمى بـإعادة الضبط الكبرى للرأسمالية لتجديد جميع جوانب مجتمعاتنا واقتصاداتنا”.
واستشعاراً أيضاً بلحظة للاستفادة من الأزمة، اقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خطته الخاصة لتعزيز قوة الأمم المتحدة إلى حد كبير، وليس من قبيل الصدفة، تعزيز سلطة الأمين العام، حيث يجادل غوتيريش بأن “الأزمات الأخيرة شكلت تحدياً لمؤسساتنا الدولية”.
وكشف غوتيريش عن ملامح خطته في سلسلة من الاجتماعات وموجزات السياسة، وبعضها لا يزال قادماً، حيث هناك أحد عشر موجزاً من هذا القبيل قيد الإعداد، والتي تغطي موضوعات تتراوح من الأجيال القادمة إلى الفضاء الخارجي، وما وراء الناتج المحلي الإجمالي إلى الاتفاق الرقمي العالمي، ومن تحويل التعليم إلى الأمم المتحدة.
يمثل ما يسمى “ميثاق المستقبل” محاولة للاستيلاء على السلطة من قبل الأمين العام، كما وتثير هذه المقترحات مخاوف واعتراضات جدية من الولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي تقدر سيادتها، وتشكك في المغزى من منح المزيد من السلطة للبيروقراطيين الدوليين، وإنشاء قواعد ومؤسسات فوق وطنية جديدة قد تؤثر بشكل كبير على الولايات المتحدة ومصالحها المستقبلية.
كان من بين أكثر موجزات السياسات إثارة للقلق هو الذي يمنح غوتيريش سلطة “عقد وتشغيل وإدارة منصة طوارئ في حالة حدوث أزمات عالمية معقدة”، سواء كان ذلك وباءً آخر، أو أزمة بيئية، أو اضطرابات في التدفقات العالمية للسلع، أو الأشخاص، أو التمويل، أو بعضاً من أحداث “بجعة سوداء” أخرى.
وبموجب الاقتراح، سيتم منح غوتيريش “سلطة دائمة لعقد وتشغيل منصة الطوارئ تلقائياً”، مع الحد الأدنى من التشاور من قبل الحكومات، حيث سيتشاور مقدماً، وعلى وجه التحديد، مع رئيس الجمعية العامة، ورئيس مجلس الأمن، والسلطات الوطنية ذات الصلة، والمنظمات الإقليمية، ووكالات الأمم المتحدة الأخرى ذات الصلة، والمؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى التي فوضتها الدول الأعضاء للاستجابة لأزمات محددة، بمعنى أنه ليس هناك شرط للتشاور مع جميع الحكومات، بحيث يمكن للأمم المتحدة أن تتخذ قرارات مهمة دون تدخل من الولايات المتحدة.
إن الهدف من منصة الطوارئ المقترحة هو “التغلب على العقبات والاختناقات من أجل الاستجابة الفعالة”، أي إحجام الحكومات عن الاستجابة لإملاءات الأمم المتحدة. ومما لا يثير الدهشة، فإن الاقتراح يحدد أن أي آلية استجابة يجب أن تضمن قيام الجهات الفاعلة المشاركة بالتزامات واضحة، مثل الموارد المالية أو التقنية أو تحول كبير في السياسة، التي تدعم بشكل مباشر وفوري الاستجابة العالمية لصدمة معقدة، وسيحتاج المشاركون إلى قبول المساءلة عن الوفاء بهذه الالتزامات.
يبدو أن الهيكل – حيث يدعو غوتيريس المنظمات الدولية والخبراء والأكاديميين والمنظمات غير الحكومية للمشاركة جنباً إلى جنب مع الحكومات – مصمم لتقليص سلطة الحكومات الوطنية والضغط عليها للتعاون مع قراراتها.
وليس هناك مجال للشك من أن غوتيريش والأمناء العامين المستقبليين للأمم المتحدة سيستخدمون هذه السلطة، فوفقاً لكلمات الأمم المتحدة، فإن أزمات المهاجرين والمناخ والفقر والديون تتطلب اهتماماً عاجلاً.
على الرغم من أنه يجب عقد برنامج الطوارئ في البداية لفترة محدودة للاستجابة لصدمة معينة، يمكن للأمين العام تمديد عمل منصة الطوارئ إذا لزم الأمر، لكن من الصعب التخلي عن سلطات الطوارئ بمجرد بلوغها. غير أن ملخصات السياسة تقدم أيضاً أفكاراً تتجاوز هذا الأمر، والتي ينبغي أن تزعج الأمريكيين.على سبيل المثال، يدعو موجز السياسة الخاص بسلامة المعلومات إلى تطوير “مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك لنزاهة المعلومات على المنصات الرقمية التي من شأنها أن توفر مخططاً لتعزيز سلامة المعلومات مع دعم حقوق الإنسان بقوة”. وتتضمن الأمثلة التي تم الاستشهاد بها عن المعلومات التي تعثرت فيها النزاهة المعلومات الخاطئة والمضللة أثناء جائحة كوفيد-19، و”محتوى إنكار المناخ”، وخطاب الكراهية.
بالطبع ، رأى الأمريكيون عن كثب كيف يتم إساءة استخدام الجهود المبذولة لكبت “المعلومات المضللة” و”الخاطئة” لإسكات الآراء المعارضة، وإخفاء الأدلة غير الملائمة، كما جرى في نظرية تسرب المختبر الصيني حول أصل وباء كوفيد-19. علاوة على ذلك، فإن دولاً مثل الصين وروسيا حريصة على فرض الرقابة على المحتوى، وستكون مسرورة لاستخدام الأمم المتحدة لتوسيع نطاق القمع المحلي دولياً.
يقترح موجز آخر للسياسة إعادة تشكيل الهيكل المالي الدولي لزيادة الاستثمار في “المكاسب العامة العالمية” مثل العمل المناخي، وتحديث الهيكل الضريبي الدولي، وجعل النظام أكثر شمولاً وتمثيلاً، وفي نهاية المطاف، إدارة اقتصادية عالمية أكثر فعالية. فلطالما طالبت الدول النامية الدول المتقدمة بتقديم المزيد من المساعدة، ولطالما رغب الليبراليون في فرض ضرائب عالمية لتمويل جهودهم البيئية، ويبدو أن موجز السياسة هذا مصمم لتسهيل تلك الأهداف.
لا تزال كل تلك الأمور مقترحات نظرية للأمين العام، حيث لم يتم توضيح التفاصيل الدقيقة. وفي حين أن الميثاق لن يمتلك القوة القانونية، إلا أنه سيخلق ضغوطاً سياسية على الإدارات الرئاسية الأمريكية المستقبلية. وفي حال سارت الأمور وفقاً للخطة، فسيبلغ هذا الجهد ذروته بتأييد جميع حكومات العالم لـ “ميثاق المستقبل” في أيلول 2024.
فهل ستدعم إدارة بايدن جهود الأمين العام للأمم المتحدة وستكون راضية عن إخضاع الشعب الأمريكي لأهواء الأمين العام للأمم المتحدة؟!