هل يغامر ترامب عسكريا ؟
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
تصريحات وتدابير إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران أحيت اوهاما كثيرة عند الحكومات التابعة لواشنطن والغرب في المنطقة حول إمكان انتقال الولايات المتحدة إلى شن حرب شاملة على الجمهورية الإسلامية وهي الأمنية التي رددها قادة عرب وصهاينة سرا وعلانية على امتداد العقود الأربعة المنصرمة منذ الإطاحة بمعلمهم وحليفهم الشاه رضا بهلوي في آخر الثورات الشعبية الكبرى التي شهدها القرن العشرين بقيادة الإمام آية الله الخميني.
أثبتت إيران خلال السنوات المنصرمة تحولها إلى قوة مستقلة وفاعلة تمتلك قدرات دفاعية كبرى واقتصادا صاعدا وناميا ومتنوع الموارد من خلال خطط البناء الضخمة التي استندت إلى القدرات الذاتية للشعب الإيراني ولثروات البلاد الطبيعية المتعددة والضخمة ومن خلال تطوير الطاقة البشرية المنتجة بالثورة العلمية فتقدمت عملية البناء الذاتي بصورة نوعية مكنت إيران من امتلاك التكنولوجيا واطلقت ثورتها الصناعية وهو ما يشكل مفتاح التحرر والاستقلال الاقتصادي والسياسي في العصر الحالي.
بهذه القدرات تغلبت إيران على الحصار وقهرت المشيئة الأميركية الصهيونية التي تحركت غداة انتصار الثورة لخنق هذا البلد وكسر إرادته الاستقلالية الحرة بكل ما بحوزة الغرب الاستعماري وعملائه ووكلائه من قدرات ووسائل وأي عاقل يراجع تلك المرحلة وأحداثها لابد سيخرج باستنتاج واضح وهو ان سلاح العقوبات باطل وفاشل ولن يبدل شيئا في الخيارات الإيرانية الكبرى وبعد مشوار الصمود الكبير باتت إيران أعلى قدرة على صد الضغوط والعقوبات وتفكيك أي حصار قد تتعرض له.
أما على الصعيد العسكري فقد أجرى جنرالات البنتاغون خلال العقود الماضية ولاسيما في السنوات الأخيرة مجموعة من الدراسات ورسموا السيناريوهات الافتراضية لغزو إيران عسكريا والحصيلة التي توصلت إليها المؤسسة الأميركية الحاكمة خلال ولاية باراك أوباما كانت إسقاط الخيارات العسكرية بسبب استعصاء التوازنات وعدم القدرة على إخضاع إيران التي تمتلك قوة دفاعية كبيرة ورادعة وشبكة من العلاقات والتحالفات والقدرة على التأثير في ساحات إقليمية متعددة ستهدد القوات والمصالح الأميركية المنتشرة وهذا التقدير المبدئي لتوازن القوى العسكري اكدته تجربتان حاسمتان :
– حرب تموز 2006 وفشل إسرائيل في النيل من قوة حزب الله التي تعاظمت وتضاعفت على الصعيد الإقليمي بعد مشاركة الحزب في مقاومة العدوان على سورية وباتت تمتلك مروحة مضاعفة من الخيارات والإمكانيات الدفاعية الرادعة التي يعرفها الخبراء الصهاينة اكثر من سواهم.
– اختبار القوة بعد قرار باراك اوباما بضرب سورية في أيلول 2013 والذي انتهى إلى الرضوخ لمنطق التفاوض مع إيران والتراجع عن العربدة العسكرية في المنطقة لمواصلة التدخلات المواربة تحت الشعار الخادع والمنافق “محاربة الإرهاب” بينما غرقت المنطقة بمزيد من الدماء على أيدي سفاحي عصابات الإرهاب التي احتضنتها الولايات المتحدة والحكومات التابعة لها بينما كانت إيران في طليعة المواجهة مع الوحش التكفيري بجميع اجنحته ومنظماته.
جميع المعطيات تؤكد ان معادلة الردع التي تملكها إيران وشركاؤها في محور المقاومة تعززت وتطورت على نطاق واسع وستجد الولايات المتحدة نفسها امام التحدي الأصعب وهو خطر اندلاع مواجهة كبرى تشعل حريقا إقليميا ودوليا لا يمكن احتواؤه وقد يعرض الكيان الصهيوني وحكومات عميلة كثيرة لأخطار وجودية ناهيك عن خسائر اقتصادية ومالية لا حصر لها وحتى لو عرضت حكومات الخليج تمويل مثل هذه المغامرة العسكرية فسيكون على البنتاغون إعادة إجراء حساب العواقب والتكاليف كما فعل في السابق وأوصى بالتعامل التفاوضي وبفرض العقوبات بدلا من الضغط على الزناد.
إذا اختار ترامب وفريقه المغامرة فسيكون مضطرا لوضع الموقفين الروسي والصيني في حسابه مباشرة لأن إيران تمثل شريكا دوليا وإقليميا لهاتين القوتين العالميتين على جميع الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياسية وهي توفر لهما العديد من المزايا ومصادر القوة التي لا تضاهى في ميادين الصراع ضد الهيمنة الأحادية الأميركية.