هل يصلح أردوغان ما أفسدته سياسته الخارجية مع العرب؟
موقع الخنادق-
زينب عقيل:
كانت العلاقات التركية العربية متباينة ومتقلبة بناء على ديناميكية التحالفات المختلفة التي لوحظت في المنطقة، مما يثير التساؤل حول ما إذا كان هذا سيؤدي إلى مزيد من التوترات أو يؤدي إلى التعاون في تلك الفترة.
تمثل التجارب في سوريا وليبيا وقطر تغييرًا تاريخيًا في العلاقات التركية العربية بقيادة أردوغان. إلا أنه ثمة قناعة جديدة تشكلت لدى الرئيس التركي الذي أظهر علاقات طيبة مع العالم العربي والإسلامي منذ توليه الرئاسة التركية، وخاصة لدى احتضانه ما عرف في تلك الفترة من العام 2000 إلى عام 2011 قضية العرب الأولى وهي القضية الفلسطينية. فأصبح له شعبية عربية. وفي تلك الفترة أعيد نسج العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية، وانتشرت المسلسلات التركية ونشطت السياحة العربية إلى تركيا بأسعار زهيدة.
لكن حالة الاستقرار قبل أن تبدأ أزمات ما سمى الربيع العربي لم تدم طويلًا، حيث اختلفت الرؤية التركية عن نظيراتها العربية/الإماراتية والسعودية -تحديدًا- في كيفية التعامل مع ما سمي ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن. وبالتالي، تعاملت بعض العواصم العربية مع الثورات العربية، خاصة بعد الدعم التركي لها، على أنها خطر داهم وتهديد وجودي، إلا إذا نجحت الثورات في إقامة حكومات جديدة برعاية تركية. بالإضافة إلى انحياز تركيا نحو السيطرة الكاملة للإخوان المسلمين على الحكم في مصر التي تعتبر امتدادًا استراتيجيًا لدول الخليج، ولاحقًا استقبال تركيا لقيادات الإخوان المسلمين المصريين واعتبار الحكم في مصر غير شرعي. وبدأ الحديث عن “النزعة العثمانية الجديدة لأردوغان” وطموحات تركيا في قيادة العالم الإسلامي من جديد.
أكثر من عقد اتبع فيها أردوغان سياسة خارجية استفزازية لم تقدّم شيئًا لتعزيز المصالح التركية في الشرق الأوسط، وفاقمت عزلة جيوسياسية أدّت إلى تفاقم مشاكلها الاقتصادية، كان نهج أنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، والذي تضمن التنقيب عن الغاز في المياه القبرصية، ورسم حدود بحرية غير شرعية مع ليبيا، والقيام بمناورات بحرية استفزازية، أجبر القوى الإقليمية الأخرى على “الالتفاف” ضدها. فعززت مصر واليونان وجمهورية قبرص علاقاتها، وكذلك فعلت قبرص واليونان، وانضمت السعودية والإمارات إلى هذه التحالفات التي بلغت ذروتها عندما تعهدت السعودية بمقاطعة العرب للبضائع التركية وسط توترات بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ودعم أنقرة للدوحة بعد فرض الحصار الذي تقوده السعودية على قطر في عام 2017. أضف إلى ذلك مأزق سياسي انتخابي شكّله النازحون السوريون داخل الأراضي التركية. وعام 2021 بعد وباء كورونا والأزمات العالمية، فقدت الليرة التركية نصف قيمتها.
وعلى أبواب الانتخابات الرئاسية التركية عام 2023 بدأت ملامح التحول في السياسة الخارجية التركية، عندما احتاج أردوغان في تجديد دمه إلى العمق العربي. مع الحفاظ على المشاكسة في العلاقة مع الغرب، فبدأ بتغيير علاقاته مع جميع الدول أعلاه باستثناء الأعداء التقليديين قبرص واليونان. فاجتمع في أيار مايو 2022 مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وطلب وساطة روسية للتقارب مع سوريا قبيل الانتخابات، وبدأ فتح المسارات مع مصر، كل ذلك كمبادرات حسن نية لجمهوره الذي بدأ يفقده على إثر الفشل الأزمات الداخلية المتلاحقة. وليثبت للشعب التركي أنّ ثمة نهج أردوغاني جديد سيستكمله في حال تمّ انتخابه مرة أخرى. وفي هذا السياق، كان واضحًا أن نقل قضية خاشقجي من تركيا إلى السعودية، هو ثمن قبول الرياض لأردوغان وتطبيع العلاقات بين البلدين. حيث أصدرت أنقرة قرارًا بنقل محاكمة قتلة خاشقجي المشتبه بهم إلى الرياض وإنهاء الملفّ في تركيا.
وأخيرًا، فاز أردوغان بمنافسة شرسة مع نظيره العلماني، في نفس الوقت الذي كانت فيه السعودية تتخذ سياسة خارجية جديدة أدت إلى المصالحة مع إيران والانفتاح على سوريا بعد أكثر من عقد على القطيعة. وبدأ الرئيس التركي في استكمال نهجه الموازي من خلال جولة في الدول الخليجية كان عنوانها الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الخليجية. وما يشير إلى تحقيقه لمكاسب من جهوده الدبلوماسية، وافقت السعودية على شراء طائرات مسيَّرة تركية، في أكبر عقد دفاعي في تاريخ تركيا، وتتضمن الصفقة إنتاجًاً مشتركًاً.. ومن المتوقع أن تضخ دول خليجية عربية استثمارات مباشرة تقدَّر بنحو 10 مليارات دولار مبدئيًاً في أصول محلية، نتيجة لجولة أردوغان في المنطقة.