هل يشهد عام 2023 انطلاقة جديدة للعلاقات السعودية الإيرانية؟
موقع قناة الميادين-
حسن نافعة:
أصبحت الأجواء ممهّدة أكثر لعودة العلاقات بين السعودية وإيران، خاصة بعد أن قررت كل من الكويت والإمارات إعادة العلاقات مع إيران على مستوى السفراء.
في كانون الثاني/يناير من عام 2016، اتخذت السعودية قراراً بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، إثر تظاهرات انطلقت في إيران عقب قيام المملكة بتنفيذ حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي المعارض، نمر النمر، أقدم خلالها المتظاهرون الإيرانيون على التظاهر أمام القنصلية السعودية في مدينة مشهد.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تقطع فيها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إذ قطعت مرتين من قبل، الأولى عام 1943، إثر قيام السلطات السعودية بإعدام أحد الحجاج الإيرانيين، لكنها عادت عام 1946، أي بعد 3 سنوات من القطيعة، والثانية عام 1987، إثر مواجهات بين الشرطة السعودية وحجاج إيرانيين قتل فيها أكثر من 400 شخص، معظمهم من الإيرانيين، لكنها عادت عام 1991، أي بعد نحو 4 سنوات من القطيعة.
أما هذه المرة، وهي الثالثة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، فما تزال العلاقات مقطوعة منذ أكثر من 6 سنوات، وهي أطول فترات القطيعة بين البلدين.
وعلى الرغم من إقدام الحكومة العراقية على بذل جهود كبيرة لإعادة إحياء هذه العلاقات، لم تكلل جهودها بالنجاح الكامل حتى الآن، مع اعتراف كل الأطراف بحدوث تقدم في المفاوضات، ما يوحي بوجود صعوبات كبيرة ما تزال تعترض طريق العودة إلى تبادل العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء.
فهل يشهد العام الحالي انفراجة حقيقية على هذا الصعيد، أم أن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها الأوضاع الإقليمية والدولية المضطربة حالياً، والتي يتوقع أن تتفاقم أكثر خلال العام الحالي، ستؤدي إلى انتكاس الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف؟
الواقع أنه يصعب تقديم إجابة قاطعة عن هذا السؤال، خاصة وأن هناك من يعتقد أن حالة عدم الاستقرار الراهنة في المنطقة والعالم قد تكون أحد العوامل المحفزة للإسراع بعملية تطبيع العلاقات بين هذين البلدين المهمّين، كي لا تخرج الصراعات المشتعلة عن نطاق السيطرة. وأياً كان الأمر، لا أظن أنني أبالغ إن قلت إن إيران والسعودية تمسكان معاً بأهم مفاتيح تحقيق الاستقرار في المنطقة، على الرغم من أنهما ما تزالان تقفان سياسياً وفكرياً على طرفَي نقيض.
فالسعودية تملك أدوات تأثير ديني واقتصادي كبير، لكونها بلد الحرمين الشريفين، وأحد أكبر وأهم منتجي النفط في العالم، وتتمتع بثقل ديموغرافي كبير نسبياً وسط دويلات عربية صغيرة قد تكون غنية بالنفط والمال لكنها فقيرة في مواردها البشرية، وأيضاً بحكم ما تتمتع به من علاقات خاصة ومتميزة تربطها بالدول الغربية عموماً، وبالولايات المتحدة على وجه الخصوص، وهي علاقات ما تزال قوية، على الرغم مما شابها من فتور في الآونة الأخيرة.
كذلك الحال بالنسبة إلى إيران، والتي تملك بدورها أدوات تأثير سياسي واستراتيجي كبير. فنظامها السياسي هو نتاج أكبر ثورة إسلامية في العالم المعاصر، وما زال هذا النظام يتبنى خطاباً سياسياً يغلب عليه منطق الثورة، إضافة إلى أن إيران الدولة تمتلك قدرات وموارد بشرية ومادية وعلمية وتكنولوجية كبيرة نسبياً، بالمقارنة بباقي دول الخليج بما فيها السعودية، وتطرح نفسها كقائد طبيعي لمحور المقاومة الذي يشكل أكبر تحد للمخطط الأميركي والإسرائيلي في المنطقة، ويعدّ الشوكة الوحيدة المتبقية حتى الآن في حلق المشروع الصهيوني. صحيح أن الخلافات السياسية والأيديولوجية بين إيران والسعودية ما تزال عميقة ومتشعبة، لكن لكلتيهما مصلحة مؤكدة في السعي لحل هذه الخلافات بالوسائل السلمية، وهو هدف يصعب تحقيقه في غياب علاقات دبلوماسية مباشرة بين البلدين على مستوى السفراء.
فإيران لديها مصلحة مؤكدة في تطبيع علاقاتها مع السعودية، خاصة في هذه المرحلة المضطربة من مراحل تطور النظامين الإقليمي والدولي، وذلك لأسباب عديدة أهمها:
أولاً: حاجتها إلى تأمين ظهرها وعمقها الاستراتيجي، خاصة إذا قررت “إسرائيل”، منفردة أو بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأميركية، توجيه ضربة عسكرية لتدمير برنامجها النووي. ومن المعروف أن “إسرائيل” كانت وما تزال تسعى لتحقيق هذا الهدف بكل الوسائل المتاحة، ونجحت مؤخراً في إنجاز بعض الخطوات الهامة على هذا الطريق، منها إقامة علاقات تعاون قوية، تشمل النواحي الأمنية أيضاً، مع بعض الدول العربية المجاورة لإيران، خاصة الإمارات والبحرين.
ومع ذلك، يصعب أن يكتمل المخطط الإسرائيلي في مواجهة إيران، أو تتاح له فرصة معقولة للنجاح، إلا بمشاركة سعودية فعالة. صحيح أن مشاركتها ستعرضها لمخاطر جسيمة، لكنها قد تقبل الإقدام على هذه المجازفة إن شعرت باليأس من إمكانية تحقيق تفاهم مع إيران حول القضايا الخلافية، وهي كثيرة.
لذا، يمكن القول إن من مصلحة إيران القيام بكل ما هو ضروري للحيلولة دون حدوث تقارب سعودي إسرائيلي، ولضمان عدم مشاركة السعودية في أي مخطط يستهدف ضربها.
ثانياً: حاجتها إلى التحسب للاحتمالات المترتبة على فشل مفاوضات فيينا المجمدة حالياً. إذ يتوقع في هذه الحالة ليس فقط استمرار العقوبات الشاملة المفروضة على إيران، ولكن تشديد هذه العقوبات أيضاً والعمل على إحكام الحصار المضروب حولها، بما في ذلك احتمال إقدام الولايات المتحدة على ترجيح كفة الخيار العسكري في مواجهتها. ولا شك في أن مصلحة إيران، خاصة في ظل أجواء إقليمية ودولية متوترة، تكمن في عدم ترك السعودية فريسة لإغراءات وضغوط تستهدف جذبها أو دفعها إلى الانخراط في المخططات الإقليمية والدولية المعادية لها، وذلك بالسعي الجاد لتحسين العلاقات معها قدر المستطاع وبكل الوسائل الممكنة.
ثالثاً: حاجتها إلى التحسب لاحتمال دخول الحرب الدائرة على الساحة الأوكرانية مرحلة تصعيد جديدة تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب بين روسيا وحلفائها، من ناحية، وأميركا وحلفائها، من ناحية أخرى. ولأن الاعتبارات الجيوبوليتيكية سوف تدفع إيران في هذه الحالة نحو الاقتراب من روسيا بدرجة أكبر، فمن مصلحتها ألا تقدم على أي خطوة من شأنها مساعدة الغرب على فرض العزلة عليها وإحكام الحصار المضروب حولها، ما يفرض عليها بذل كل جهد ممكن للتوصل إلى تفاهمات مع السعودية ودول الخليج الأخرى حول القضايا الخلافية، سعياً للحيلولة دون انخراط هذه الدول المجاورة في الاستراتيجية الغربية الرامية إلى حصار روسيا وحلفائها، ومنهم إيران بالطبع.
والسعودية لديها في الوقت نفسه مصلحة مؤكدة في تطبيع العلاقات مع إيران، خاصة في هذه المرحلة بالذات، وذلك لأسباب عديدة، أهمها:
أولاً: حاجتها الماسة إلى تخفيف حدة الصراعات المشتعلة في المنطقة، خاصة في اليمن، وحرصها الواضح على البحث عن مخرج كريم وعاجل يتيح لها وضع حد للاستنزاف المتواصل الذي تتعرض له بسبب الحرب المشتعلة في هذا البلد العربي منذ سنوات. ولأنها تدرك يقيناً أنه لا مخرج لها من هذه الحرب إلا من خلال دور إيراني فاعل، فمن مصلحتها أن تعمل على إعادة مدّ الجسور الدبلوماسية بين البلدين والإبقاء عليها مفتوحة كي تستطيع التفاهم معها حول تفاصيل المخرج المطلوب.
ثانياً: إدراكها المتزايد بأن انخراطها في أكثر مما يجب في المخططات الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، يضعف نفوذها ويشوّه صورتها لدى الشعوب العربية والإسلامية، خاصة في ظل حكومة نتنياهو الحالية، التي تعدّ أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ “إسرائيل”، ولا تخفي نيّاتها في تدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل مكانه.
ولا شك في أن هذه المحاذير تشكل دوافع وحوافز للعمل على حل مشاكلها مع إيران مباشرة، أو على الأقل للإبقاء على جسور الاتصالات مفتوحة معها.
ثالثاً: خشيتها من تعرض منشآتها النفطية الضخمة للتدمير في حال إقدام “إسرائيل” أو الولايات المتحدة أو كلتيهما على شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد إيران. ولأنها لا تستطيع في هذه الحالة الاطمئنان كلياً إلى ضمانات الحماية الأميركية، بدليل تمكن جماعة أنصار الله من توجيه ضربات موجعة من قبل للمنشآت النفطية السعودية، فمن شأن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع طهران على مستوى السفراء، المساعدة على تجنب وقوع أي خطأ في الحسابات قد ينجم عن سوء التقدير أو سوء الفهم.
كانت السعودية قد اتخذت مؤخراً عدة مواقف تشير إلى اهتزاز ثقتها في الولايات المتحدة الأميركية، وتعكس حرصها على أن تأتي سياستها الخارجية متطابقة مع المصلحة السعودية وحدها، حتى لو تعارضت مع المصالح الأميركية، وهو ما عكسه موقف السعودية الداعم لقرار أوبك+ تخفيض الإنتاج اليومي من النفط بمقدار 2 مليون برميل يومياً، ما أثار استياء الولايات المتحدة وغضبها، كما عكسته أيضاً زيارة الرئيس الصيني مؤخراً للسعودية التي شارك خلالها في 3 قمم سعودية-خليجية-عربية.
ولا شك في أن استمرار السعودية باتخاذ مواقف خارجية تعكس مصالحها أكثر مما تعكس علاقات التبعية التي تربطها بالولايات المتحدة، يساعد على إيجاد أرضية مشتركة مع إيران ويزيل عدداً من العقبات التي قد تحول دون عودة العلاقات الطبيعية بينهما. وقد أصبحت الأجواء ممهّدة أكثر لهذه العودة، خاصة بعد أن قررت كل من الكويت والإمارات إعادة العلاقات مع إيران على مستوى السفراء.
لذا، نأمل أن تتواصل الجهود العراقية إلى أن تتمكّن من إقناع إيران والسعودية بالقيام بخطوة مماثلة، فخطوة كهذه ستكون لا شك في مصلحة البلدين، وفي مصلحة التهدئة في المنطقة.