هل يتكرّر سيناريو حرب تموز وتتوسّع الحرب أم يتردّد العدو ويمتنع عن التوغل في عدوانه؟
جريدة البناء اللبنانية-
حسن حردان:
بات واضحاً انّ كيان الاحتلال الصهيوني، وقادته قرّروا، وبدعم وغطاء أميركي، تنفيذ حرب إبادة تتجسّد حالياً في سياسة الأرض المحروقة ضدّ قطاع غزة والمصحوبة بتشديد العقاب الجماعي وعدم التمييز بين مقاوم ومدني، في محاولة واضحة للانتقام وللتغطية على الهزيمة المذلة وغير المسبوقة التي أصابت جيشه بمقتل وأسقطت منظوماته الدفاعية والأمنية والردعية، نتيجة هجوم المقاومة الفلسطينية في جنوب فلسطين المحتلة، ونجاح المقاومة في القضاء على كامل فرقة جيش العدو في المنطقة، بقتل وأسر وجرح الآلاف من الضباط والجنود والمستوطنين الصهاينة.. مما أحدث صدمة هزت الكيان ومرتكزات وجوده ومعه كلّ دوائر القرار الصهيونية والأميركية والغربية، وأدّت الى حالة من الفزع والقلق على وجود الكيان دفع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الاستنفار وإعلان التحرك السريع لمساندة ودعم الكيان الغاصب وتوفير الحماية له للقيام في استباحة قطاع غزة وارتكاب المجازر الوحشية بحجة حق الدفاع عن النفس.
وحشدَ جيش الاحتلال معظم قواته على جبهة غزة لاستعادة السيطرة اولاً على مناطق غلاف غزة التي دخل إليها المقاومون وما زالوا يقاتلون ويشاغلون جيش الاحتلال فيها ويربكونه…
فيما بدأ العدو التحضير لعملية واسعة غير مسبوقة منذ هزيمته في غزة عام 2005، وخروجه من القطاع وتفكيك مستوطناته هناك.. وذلك بشنّ غارات جوية غير مسبوقة من حيث كثافتها وشدّتها وقوّتها التدميرية، على مدن وأحياء ومخيمات القطاع وتدمير عشرات الأبنية السكنية وقتل وجرح الآلاف من المدنيين في أكبر مجزرة بدأ يرتكبها العدو، منذ المجازر التي قامت بها عصاباته الصهيونية عام 1948، واحتلال فلسطين…
وأرفق العدو عملياته الإجرامية، بإعلان تشديد وإحكام الحصار على غزة عبر قطع الكهرباء والوقود والمياه والغذاء عن القطاع… فيما يمكن تشبيه شدة وقوة القصف الصهيوني غير المسبوق على غزة، بما قام به جيش الاحتلال في تموز 2006 من قصف تدميري للأبنية السكنية والبنى التحتية المدنية في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، والجسور ومحطات الكهرباء وذلك بهدف محاولة تحقيق نفس الأهداف تقريبا، وهي محاولة:
أولاً، كسر إرادة المقاومة والصمود لدى الشعب الفلسطيني وإضعاف معنوياته.
ثانياً، توجيه ضربة قاصمة وساحقة للمقاومة عبر تدمير بنتيها العسكرية، واغتيال قياداتها.
ثالثاً، تحرير الأسرى من ضباط وجنود صهاينة من دون أن يضطر إلى إجراء عملية مقايضة مع المقاومة.
لكن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا إذا قام العدو بعملية برية واسعة واجتاح خلالها قطاع غزة، على غرار ما فعل خلال حرب تموز في جنوب لبنان، حيث يمكن أن يتكرّر مشهد هزيمة جيش الاحتلال في لبنان على أيدي المقاومين في قطاع غزة وبالتالي تلحق به هزيمة قاسية واستراتيجية تزيد من هول الهزيمة التي مُنيَ بها في هجوم المقاومة في جنوب فلسطين المحتلة.. ولهذا ما زال قادة العدو يدرسون ايّ خيار من الخيارات لتحقيق أهدافهم المذكورة آنفاً وكلفة كلّ خيار:
1 ـ خيار اجتياح القطاع وإعادة احتلاله وكلفته الباهظة التي لا يستطيع تحمّلها مع احتمال فشله وان يمنى بهزيمة كبيرة بفعل المقاومة الضارية التي سيواجهها على غرار ما حصل في جنوب لبنان…
2 ـ أم خيار اجتياح بعض المناطق بغرض تقطيع القطاع إلى ثلاثة أقسام.. أيضاً ستكون له كلفة باهظة.. وقد لا يتمكن العدو من تحقيق الهدف المُراد منه.. على ضوء تجربة محاولات توغل العدو خلال اعتداءاته السابقة على القطاع، والتي فشل خلالها في السيطرة على بعض الأحياء وتعرّض خلالها لخسائر فادحة اضطرته إلى التراجع عن مواصلة عدوانه نتيجة المقاومة الضارية، واضطر الى عقد اتفاقات تهدئة بوساطة مصر.
3 ـ أو اعتماد خيار تنفيذ عملية محدودة للسيطرة على المناطق غير السكنية المحاذية لشاطئ القطاع، لمحاولة إقامة شريط شائك جديد في هذه المناطق.. وذلك بأقلّ الخسائر لحفظ ماء الوجه، وليستطيع نتنياهو القول انه حقق إنجازاً غير المجازر التي ارتكبها جيشه.. لكن حتى هذا الخيار سيواجه مقاومة قوية وقد يتعرّض جيش الاحتلال لخسائر كبيرة، عدا عن انّ اقترابه كثيراً من المناطق السكنية في القطاع سيؤدّي إلى حالة اشتباك دائمة مع رجال المقاومة مما يجعله عرضة لاستنزاف دائم.. هذا إضافة إلى احتمال ان يؤدّي استمرار العدو في حرب الإبادة ضدّ غزة إلى فتح جبهات لبنان والجولان التي بدأت بالاشتعال التدريجي، وسط ارتباك جيش الاحتلال لأنّ المقاومة في لبنان وكلّ أطراف محور المقاومة لا يمكن أن يتركوا العدو يوغل في حرب الإبادة ضدّ البشر والحجر في غزة.
لهذا يمكن القول انّ حكومة العدو وقيادة جيش الاحتلال يواجهون مأزقاً كبيراً، بعد الهزيمة القاسية التي ألحقتها المقاومة بجيش العدو خلال هجومها في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي أظهر مدى التطور الكبير في أدائها وقدراتها، وفي نفس الوقت مدى استعدادها وجاهزيتها، وأنها لا بدّ وقد تحسّبت لمواجهة كلّ الخيارات المذكورة آنفاً… وهو ما يدفع قادة جيش الاحتلال إلى الحذر من الإقدام على ايّ خطوة تزيد من حجم خسائره وهزيمته، وتداعياتها الخطيرة على الكيان الصهيوني.. لا سيما إذا ما اتسعت دائرة الحرب وشارك فيها كلّ أطراف محور المقاومة، مما يجعل كيان العدو يواجه حرباً غير مسبوقة ستتحوّل كلّ نقطة وموقع فيه إلى ساحة حرب لم يسبق أن واجه مثيلاً لها من قبل.