هل يتكرر سيناريو أوكرانيا في الصين؟
صحيفة البعث السورية-
ريا خوري:
اعتقد الغرب الأوروبي- الأمريكي أن التحذيرات الروسية المتكرّرة من تمدّد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً لن تجلب له المخاطر، وأن هذا التمدّد على الرغم من العديد من الاتفاقيات لمنع ذلك هو تهديد للمصالح القومية لروسيا الاتحادية، والذي قاد في نهاية الأمر إلى الحرب الأوكرانية. والآن نجد أن الصين تحذّر الولايات المتحدة وحلف (كواد) ومعهما (الناتو) بعدم التدخل في الشؤون القومية والإستراتيجية الصينية من جهة تايوان، لكن على ما يبدو أن السيناريو الأوكراني بدا وكأنه يعيد نفسه من جديد مع الصين، وهذا ما سيؤدي إلى تدحرج كرة الثلج.
لم تأبه الولايات المتحدة الأمريكية لتحذيرات الصين المتكرّرة، وبدلاً من أن تأخذ تلك التحذيرات بعين الاعتبار لاستنادها إلى حقائق تاريخية معروفة وواضحة، نرى أنها تتبع الأسلوب والمنهج نفسه الذي انتهجته حيال روسيا، وكأن هناك مخططاً أمريكياً استراتيجياً مرسوماً بدقة لاستدراج كلّ من روسيا والصين، وحشرهما في زاوية محدّدة تحتّم عليهما الدخول في حروب مدمرة مسلحة، وصراعات طويلة الأمد من أجل استنزاف طاقاتهما العسكرية والاقتصادية، وهو هدف وضعته القيادة الأمريكية لإرهاق الدولتين، وتوريطهما في حروب تكون نتيجتها تهديد تناميهما وتطورهما المتسارع، واستمرار السيطرة والهيمنة الغربية على العالم أجمع.
وعلى الرغم من أن عدداً من مساعدي الرئيس جو بايدن فوجئوا بهذه التصريحات واعتذروا عنها وتراجعوا، إلا أن التصريحات أثارت علامات استفهام وقلقاً ملحوظاً حول ما إذا كانت أمريكا تعتزم الابتعاد عن سياستها المعلنة في هذا الشأن، كما أنها تأتي مختلفة ومناقضة للسياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ عقود، حيث تسعى الإدارات الأمريكية المتعاقبة وعلى مدى عقود إلى اتباع ما يمكن أن يطلق عليه “الغموض الاستراتيجي” في مواقفها المعلنة تجاه الصين. وكما هو معلوم فإن مصطلح “الغموض الاستراتيجي” يُستخدم لوصف تعمّد حكومة ما الضبابية أو عدم الوضوح في بعض جوانب سياستها الخارجية لتفادي الوقوع في مواجهات مباشرة أو غير مباشرة، كما هي الحال في نهجها الذي تتبعه حيال الأزمة الأوكرانية، حيث تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إطالة أمد الصراع الذي أوقدت ناره مع الدول الغربية، فتقدم لأوكرانيا المساعدات العسكرية واللوجستية ضمن منهج بحيث لا يكون هناك لا غالب ولا مغلوب لإضعاف الطرفين، مع الحفاظ على هامش يضمن لها عدم الاكتواء بنار الحرب التي فجرتها، على الرغم من أن هذه النيران طالتها وطالت العالم بأسره، جراء التداعيات الاقتصادية كارتفاع أسعار الطاقة من نفط وغاز، وأزمات الغذاء المرعبة المتوقعة.
معظم المراقبين والمحللين السياسيين في أنحاء العالم يؤكدون التشابه الكبير بين المشهد القائم بين الصين وتايوان، وبين الأزمة الأوكرانية، حيث تعمل الولايات المتحدة على محاصرة الصين بكل الطرق والوسائل الممكنة، ولاسيما في المجال العسكري من خلال قواعدها المنتشرة في العديد من الدول حول الصين التي ترى فيها خطراً استراتيجياً من شأنه أن يقوّض سطوتها وهيمنتها على العالم، وهو ما تدركه القيادة الصينية جيداً، حيث إنها سرعان ما ردّت على تصريحات جو بايدن مؤكدة أنه لا مجال للمهادنة أو التهاون في أمور تتعلّق بسيادة الصين ووحدة أراضيها كاملة، محذرة من اللعب بالنار التي ستحرق أصابعهم.
المتابع لحقيقة العلاقات بين الصين وتايوان يجدها قد تحسّنت بشكلٍ ملحوظ في ثمانينيات القرن الماضي، حيث بدأت الصين بطرح صيغة تعرف باسم “دولة واحدة ونظامان” تمنح بموجبها جزيرة تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين، وهو ما رفضته تايبيه بتحريض من الولايات المتحدة، ولا سيما بعد وصول تساي إنغ ون، الرئيسة الحالية لتايوان إلى الحكم في عام 2016، والتي تدعم سياسة الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين.
يُذكر أن الولايات المتحدة عقدت العديد من اللقاءات السرية مع القيادة التايوانية لحث تايوان على رفض الفكرة الصينية، وهو تعبير عن التماهي الكبير بين الموقف الأمريكي والسياسة التي اتبعتها تايوان، واليوم نرى نتائج هذه اللقاءات السرية بتعهد واشنطن تزويد تايوان بأسلحة متعدّدة المستويات!.