هل يتسرع ابن سلمان في قطف ثمار النظام العالمي الجديد؟
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
من المفارقات اللافتة والفاضحة للنظام العالمي الجائر والمنافق، أنه في الوقت الذي تخرج فيه أغلبية الجمعية العامة للأمم المتحدة لتصوت لصالح إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بعد سعي دؤوب لاستصدار قرار من مجلس الأمن لإدانتها لولا الفيتو الروسي بالطبع، فإن الأمم المتحدة وعبر مجلس الأمن تخرج بقرار لحظر السلاح عن جماعة “أنصار الله” اليمنية وتصفها بالإرهاب، بدل أن تصف بذلك السعودية والامارات والعدوان الصريح الذي تشنانه على اليمن.
وفي الوقت الذي تشرعن فيه الأمم المتحدة دفاع النظام الأوكراني عن بلاده وتتغافل عن توزيع السلاح على المسجونين بعد اطلاق سراحهم وتجنيد فيلق دولي من المرتزقة لمساعدة أوكرانيا، فإنها تستنكر دفاع اليمنيين عن بلادهم ضد الغزو والعدوان وضد جلب المرتزقة من الخارج للغزو.
هذه لمحة بسيطة عن النفاق الدولي، وهذا ليس كيلا بأكثر من مكيال، بل كيلٌ بمكيال واحد وهو المصلحة الأمريكية والغربية، حيث مصالح وحقوق الآخرين لا قيمة ولا وزن لها.
من هنا تأتي هذه الهجمة الأمريكية الغربية الشرسة على روسيا لأنها حاولت العبث بأسس النظام العالمي وأن تنتزع حقا يراه الغرب تجاوزًا للحدود المسموح بها في القانون الدولي، بينما يتغافل هذا القانون عن جريمة الاحتلال الاستيطاني الصهيونية في فلسطين، ولا يعترف بحق الفلسطينيين بالمقاومة، ولم نلمح يومًا عقوبة ثقافية أو رياضية أو مالية على هذا الكيان المستثنى من القانون الدولي وأعراف نظامه العالمي!
هنا نتوقع أن تدافع أمريكا عن مركزها بشراسة ولا تستحي معها أن تورط أوروبا في مخاطر انزلاقات هذه المعركة للحفاظ على نظام عالمي يتداعى، وهنا يمكن أن تتولد فوضى دولية نتيجة غياب المعايير التي يمكن أن تبني عليها العديد من الدول التابعة حساباتها.
والنموذج الصارخ لهذه المجازفات يكمن في الدول التابعة تاريخيًا لأمريكا والتي تعتمد سياسة راهنة تحاول معها التحوط والتأرجح وانتظار نتائج المعركة للقفز من المركب واستبدال التبعية والحماية.
ولعل العدو الاسرائيلي والمملكة السعودية هما النموذجان الأوضح، حيث يتشابهان منذ النشأة في أحضان الإمبراطورية البريطانية، والانتقال السلس منها للإمبراطورية الأمريكية الصاعدة.
والمتابع لمواقف العدو الاسرائيلي والسعودية في الأزمة الروسية الغربية الأخيرة، يلمح تشابها في التعاطي الظاهري، فكلاهما لا يود إغضاب روسيا بينما يذعن في النهاية للضغوط الأمريكية لإدانة روسيا.
ولكن من حيث المضمون هناك اختلافات لكل حالة، فالعدو يحرص على تأمين العلاقات مع روسيا لعدم الصدام المباشر معها في سوريا وكذلك لاعتبارات داخلية تتعلق بوجود قطاعات من الروس في النخب وفي التكتلات الانتخابية، ناهيك عن عدم ممانعة العدو مبدئيا مغادرة المعسكر المتراجع ومحاولة التقارب مع المعسكر الاقوى دوليا.
بينما في الحالة السعودية، فإن السعودية لها شروط للقفز من المركب الامبراطوري، وعلى رأسها ان يكون مركبا رأسماليا، فقد منعتها الايديولوجية الشيوعية للاتحاد السوفياتي من أي محاولات للتقارب، بل كانت ذراعا متقدما في الحرب الامريكية عليه، ولم تكن الأسباب دينية كما تدعي السعودية، ولكن كانت أسبابا اقتصادية وسياسية، حيث تتناقض ايديولوجية السويفت مع الأنظمة الملكية المحتكرة للثروات وهو ما يتناقض كليًا مع السعودية.
هنا يمكن للسعودية أن تجد موطئ قدم مع روسيا التي تخلت عن الشيوعية وتتعامل بسياسات برجماتية مع جميع الأنظمة، وكذلك الصين والتي نحّت الايدلوجية جانبًا وتتعامل بمنطق السوق الحر، وهو ما يعني أن السعودية يمكنها التفكير في القفز من المركب الأمريكي، أو امتلاك الجرأة لمفاوضته وابتزازه!
هذا ما عكسته تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان الأخيرة، حيث قال في جزء من مقابلته مع مجلة The Atlantic، ردًا على سؤال عما إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن أساء فهم شيء ما عنه: “ببساطة لا أهتم”، مضيفًا: “الأمر يرجع له في التفكير في مصالح أمريكا”.
وتابع ولي العهد السعودي: “ليس لدينا الحق في تلقينكم محاضرات في أمريكا… والعكس، ليس لديكم الحق في التدخل في شؤوننا الداخلية”، وفقا لما نقلته The Atlantic.
وأشار ولي العهد في تصريحات منفصلة نقلتها وكالة الأنباء الرسمية في السعودية إلى أن بلاده قد تختار تقليص استثماراتها في الولايات المتحدة، وقال “كما لدينا فرصة لتعزيز مصالحنا لدينا فرصة لخفضها”.
إلا أن الأخطر والأكثر صراحة، هو تلميح ابن سلمان إلى الاتجاه نحو المعسكر الشرقي، حيث قال: “من يمتلك الإمكانيات المباشرة في العالم حاليا؟ السعودية. ولو أردتم تفويت الفرصة، أعتقد أن هناك آخرين في الشرق سيكونون سعداء جدا باغتنامها”.
وهنا لنا ملاحظتان:
الأولى: هي أن هذه التصريحات لم تكن لتصدر لولا الأوضاع الدولية الراهنة واليقين بتشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
الثانية: هي المجازفة التي أقدم عليها ابن سلمان والتي قد يدفع ثمنها لتعجله في قطف ثمار لم تنضج بعد، حيث يحتاج النظام العالمي الجديد إلى وقت لترتيب تحالفاته وخاصة عند انتقال غير سلس، لا يمكن مقارنته بالانتقال السلس من بريطانيا لأمريكا وهما زميلان في معسكر انجلو ساكسوني واحد!