هل كتبت نهاية الحرب في أوكرانيا؟
موقع العهد الإخباري-
عبير بسّام:
يبدو أن القيادة الروسية قد حسمت القرار بإنهاء الحرب في أوكرانيا، وكأن ما نشهده من أحداث في الأيام الماضية يحمل في طياته بدايات النهايات التي تقرر مصير توزع القوى في العالم وتأكيد الصعود النهائي لكل من روسيا والصين كقوتين عظميين وتفكك ستشهده القوة الأميركية. وقد تحدثنا عن هذا كثيراً. وأهم الأحداث التي تشهدها الساحة العالمية اليوم والتي تجعل القوى العظمى في حالة ترقب شديد هي الأحداث التي تشهدها الحرب الروسية – الأميركية، أو الصراع الروسي مع دول الناتو مجتمعة في أوكرانيا. إذ تشهد الساحة اليوم زحفًا روسيًا كبيرًا، وإن تزامن مع تفجيرات في روسيا وهجوم بالمسيّرات تشهده موسكو جعل الإرادة الأميركية بإطالة أمد الحرب بين روسيا وأوكرانيا في حالة استنزاف.
لا يمكننا حصر تداعيات الحرب المجنونة بين دولتين متجاورتين كانتا في يوم من الأيام جزءًا من منظومة عظمى هي الاتحاد السوفياتي، ويتحدثان اللغة ذاتها وبينهما روابط اجتماعية قوية. تطورات عدّة برزت على هذه الساحة مؤخرًا، من أهمّها: المسيّرات الأوكرانية المرسلة من قبل الغرب، والقصف الأوكراني المتكرر لجسر القرم، الواصل بين البر الروسي وجزيرة القرم وذلك لأهميته العسكرية في وصول الإمدادات للجيش الروسي في الجنوب، وخاصة بعد أن أعلنت أوكرانيا في هجومها المضاد مستخدمة الألوية المدرعة التي دربها الناتو، أن استعادة جزيرة القرم هي أحد الشروط التي وضعتها اوكرانيا من أجل وقف الحرب، وهي أحد الأهداف التي تحدث عنها زيلنسكي خلال قمة الناتو في تموز/ يوليو الماضي إضافة إلى خروج الروسي من مناطق إقليمي الدونباس ودونتسك.
في مقال نشر على “العهد” في شهر آذار/ مارس من العام الماضي طرحنا السؤال: “هل يعيد بوتين أوكرانيا إلى حدودها التاريخية؟”، قلنا فيه يومها إن بوتين سيستعيد المناطق التي تقع في شرق نهر الدينبر، والتي هي أراض تتبع للقيصرية الروسية منذ بداية القرن السادس عشر، وسكانها من الروس. خلال بداية المعارك وصلت القوات الروسية وحاصرت كييف وتتالت بعد ذلك تداعيات الحرب، وكان أسوأها على روسيا التراجع عن هذا الحصار لصالح استمرار بيع الغاز الروسي، بعد لقاء بوتين مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الكرملين، لكل من فرنسا وألمانيا، ومن ثم قام الأميركيون بتفجير أنابيب السيل الشمالي، فارضين القرار الأميركي على الأوروبيين كافة بمقاطعة الغاز الروسي بالإكراه.
في 18 / 8، أي قبل أيام، نشرت صحيفة “La Nouvelle Tribune” مقالًا تحدثت فيه عن انتصار روسيا ونجاحها بتحقيق أرباح زيادة في هذا الشهر 20% عن شهر تموز/ يوليو الماضي، وذلك من خلال الإبقاء على علاقات تجارية مميزة مع الصين، وفتح أسواق أوسع للنفط والغاز الروسيين، ورفضها بيع الأوروبيين النفط بالسعر الذي فرضه الأميركيون وهو 60 دولارًا أميركيًا للبرميل. وهو سعر حددته مجموعة السبع من أجل محاصرة موسكو. ولكن انتصارات موسكو أو بوتين كما يريد الغرب تسميتها في محاولة لشخصنة الحرب وربطها بإرادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، قد تجاوزت بيع النفط والغاز الروسي وتحقيق أرباح اقتصادية. إن الحرب اليوم تسير وفق أهم المحاور التي سلكتها موسكو من أجل استعادة شرق الدنيبر في محاور كل من دونيتسك وجنوب دونيتسك وكوبيانسك وكراسني- ليمانسك. هذا إضافة إلى الانتصارات السابقة التي حققتها في كل من زابوروجيا وخاركوف بعد أن كان انسحب الجيش الروسي منها منذ أشهر عديدة، وابتدأ التهليل الكبير على الإعلام الغربي وخاصة في أميركا حول انتصارات كييف، في حين كان من الواضح لأي مراقب أن انسحاب الجيش الروسي من خاركوف كان تكتيكياً بالتحديد.
بالتأكيد يجب أن لا يستهان بثلاثة إعلانات هامة قامت بها وزارة الدفاع الروسية وسط احتجاجات أميركية وبريطانية حول تحليق الطائرات الحربية الروسية فوق كل من القاعدة الأميركية في ألاسكا وفوق القواعد البريطانية في اسكتلندا، حدثان هامان في خضم الاجتياحات الروسية، والتي تنطوي على تحذيرات بالتدخل بالحرب وأن كلًّا من الدولتين الأبعد عن روسيا تقعان في نطاق سيطرتها، والطائرات التي أرسلتها روسيا بحسب موقع روسيا اليوم تطير بسرعة تفوق سرعة الصوت. وأما الحدث الثالث فهو تدمير طائرات سو 25 التي حاولت الدخول في الحرب وقصف مناطق في روسيا، وهذا تحذير للولايات المتحدة التي تريد دعم كييف بطائرات ف 16، والتي نعلم كيف هزمت هي ومثيلاتها في حرب تشرين التحريرية وأمام الميغ 23 فقط. أي ان الأسلحة الأوروبية والأميركية لن تستطيع منح أوكرانيا الانتصار ولا حتى التفوق المنشود.
يوم الخميس نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالاً وردت فيه معلومات عن وكالة المخابرات الأمريكية، والتي أفادت من ضمن ما أفادت به أن أوكرانيا فقدت 60 ألف مقاتل منذ بدء العمليات العسكرية، وجاء فيه “أوكرانيا لن تكون قادرة على تحقيق الأهداف التي حددتها قبل بدء هجومها المضاد”. معلومات أثارت جدلاً بين أعضاء الكونغرس الأميركي وخاصة بين الذين يصرون على عدم جدوى تقديم المزيد من المساعدة العسكرية لأوكرانيا بعد الإخفاقات العسكرية التي منيت بها. كما رفض جيك سوليفان، المتحدث باسم البيت الأبيض في 18/8 التعليق على هذه التقارير الاستخباراتية، واكتفى بقول: “لن أتحدث عن تقارير الاستخبارات. على مدار العامين الماضيين، كان هناك الكثير من التحليلات من مصادر مختلفة حول كيفية تطور هذه الحرب. لقد رأينا العديد من التغييرات في هذه التحليلات لأن الوضع في ساحة المعركة يتغير. لذلك، كما قلنا مرارا، نحن نبذل قصارى جهدنا لدعم أوكرانيا وهجومها المضاد”. وأضاف: “لن نضع أي إطارات للنتيجة النهائية، ولن نتنبأ بما سيحدث، لأن الحرب بطبيعتها أمر لا يمكن التنبؤ بنتائجه”. وهذا أمر يثبت أن أميركا لم يبق أمامها شيء آخر لتقوم به سوى دخول الحرب بقوة الناتو، وهو ما لن تفعله.
في 17 من هذا الشهر صرح الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، أن ما يهم الولايات المتحدة هو إطالة النزاع. وقال: “كلما طالت الحرب كان أفضل، فالحرب باهظة الثمن وهم يريدون من ذلك إضعاف روسيا، وهم يحتاجون إلى ذلك”. وهذا هو المختصر المفيد خلف الحرب في أوكرانيا، وهي حاجة أميركية بحته لعودة سيطرتها على العالم ومن ضمنه أوروبا. وحذر لوكاشينكو الذي نشرت روسيا أنظمة إسكندر النووية على أراضي بلاده، بأن تجاوز أوكرانيا لأي من الخطوط الحمراء في بيلاروسيا ستنتهي بتوجيه ضربة مفاجئة وقاصمة لها.
ويبدو أن هذا ما يفعله بوتين اليوم، وهو توجيه الضربة القاصمة لكل من أوروبا وأميركا وأوكرانيا معاً، فالهجومات المتتالية على موسكو أعلنت تجاوز الخطوط الحمراء، والتي لا يمكن السكوت عنها. كما أن موسكو باتت بحاجة لإنهاء هذه الحرب التي دخلت عامها الثاني، لأن استمراريتها لفترة أطول من ذلك قد تدخلها بحرب تستمر لعشر سنين قادمة على الاقل، والغرب ليس لديه ما يخسره، بل جل ما يفعله هو التضحية بالأوكرانيين وبالسلاح القديم الذي بات يرغب بالتخلص منه. وهناك معضلة كبرى يعاني منها الغرب وهي احتجاز حوالي 7000 مواطن أجنبي في أوكرانيا لدى الأوكرانيين وأطقم ما يزيد عن 70 سفينة أجنبية محاصرة في موانئ أوكرانيا، وهي معلومات يحاول الغرب التستر عليها، وهي تعني أن الأمر بات خارج السيطرة. فهل تعيد موسكو الأمور إلى نصابها الصحيح؟