هل سيدفع اللبنانيون ثمن رفع سعر الدولار الجمركي؟
وكالة أنباء آسيا-
شيماء ابراهيم:
حالة من الترقب والحذر خيمت على اللبنانيين بعدما قررت حكومة تصريف الأعمال في لبنان رفع قيمة الدولار الجمركي “النسبة المئوية المستوفاة من قيمة السلعة ” إلى سعر 20 ألف ليرة بعد أن كان قبل الأزمة الاقتصادية يستوفى على سعر 1500 ليرة لبنانية للدولار.
حيث أحدث قرار حكومة رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، التي أحالت مرسوم اعتماد الدولار الجمركي على سعر مكتب الصرف إلى رئيس الجمهورية لتوقيعه، جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي.
فيما شكك عدد من النشطاء في تبريرات الحكومة في ما يخص قرارها، مدعية أنه سيشكل حماية للصناعة المحلية وأن معظم السلع الأساسية معفية من الجمارك.
ويرى الدكتور باتريك مارديني، رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق أن “هذا الإجراء لا يحسّن مداخيل الدولة وليس في مكانه، وسيزيد مداخيل المهرّبين والمتهرّبين ضريبياً”.
ويحذّر مارديني من أن “التأثير الأهم للدولار الجمركي هو على التهرب الجمركي والتهريب، ونحن نعلم أن حجم التهرب الجمركي والضريبي في لبنان كبير جداً”، مشيراً الى أن “المرافق التي تدخل من خلالها البضائع المستوردة الى لبنان، تطالها شبهات فساد كبيرة جداً، وبالتالي إذا كان حالياً عدد من الأشخاص يقومون بالتصريح ودفع الرسوم الجمركية، فإن رفع الدولار الجمركي سيدفع بمن يدفعها الى التهرّب”.
من ناحية أخرى، يلفت مارديني الى أن رفع الدولار الجمركي سيزيد من التهريب، معتبراً انه حتى لو بذل المزيد من الجهود من قبل الجمارك لتخفيف التهرب الجمركي، بالمقابل سيزيد التهريب، وستدخل البضائع على البلدان المجاورة وتُهرّب الى لبنان.
من جانب آخر، يشدد مارديني على ضرورة تعديل النسب الضريبية والتعرفة الجمركية بالتوازي مع رفع الدولار الجمركي، كي نحافظ على من يصرّح ضريبياً و”ما نهشلو”. ويضيف: “نفهم الرغبة بتوحيد أسعار سعر الصرف، وأن يكون سعر الدولار الجمركي على سعر صيرفة، لكن بالتوازي كان من المفترض تخفيض النسب الجمركية، فمثلاً إذا توجَّب على شخص أن يدفع رسم جمركي 10% على سلعة ما ورفع الدولار الجمركي من 1500 الى 20000، يجب بالتوازي تخفيض الجمرك من 10% الى 1% ليبقى قادراً على تحمّلها”.
ويوضح مارديني أن “الإبقاء على النسب او التعرفات الجمركية الحالية وفي نفس الوقت زيادة الدولار الجمركي، سيكون له مفاعيل سلبية وتأثير على التهريب والإستهلاك المحلي”، مشيراً الى أن “الشعب اللبناني يستورد معظم السلع التي يستهلكها وخصوصاً السلع ذات الكلفة المتدنية والمتواجدة في السوبرماركت، والتي يستهلكها الفقير، وهي مستوردة لأن كلفة صناعتها وانتاجها في لبنان مرتفعة، بالتالي سترتفع اسعارها وسيؤثر ذلك سلباً على المواطن وسيزيد الضغط على قدرته الشرائية بشكل سلبي وتنخفض، ما يفاقم الأزمة التي يعيشها اللبناني”.
كذلك، سيكون لرفع الدولار الجمركي تأثير على تنافسية لبنان، ويعطي مارديني مثالاً على قطاع السياحة، فإذا كان قطاع السياحة يستورد إحتياجاته من الخارج، فإن رفع الدولار الجمركي سيدفع بالمرافق السياحية الى زيادة الفاتورة وبالتالي توجّه السياح نحو وجهات منافسة للبنان، كتركيا أو الأردن او مصر او اليونان مثلاً.
ويضيف: “الدولار الجمركي يرفع كلفة الإنتاج بشكل عام في قطاع السياحة والصناعة والزراعة وكافة القطاعات، بالتالي سيضعف تنافسيتها ويضعف الطلب عليها، وهذا يساعد على تضخيم الأزمة في هذه القطاعات التي تعاني وتسرّح موظفين وترزح تحت خسارة، كما تزيد الكلفة على قطاعات ليست قادرة على الإستمرار بسهولة، ما سيفاقم الأزمة ولا يخفّفها”.
في السياق، يؤكد عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال انّ قيمة رسم الضريبة على القيمة المضافة ستزيد حُكماً مع ارتفاع الدولار الجمركي الى 20 الفاً لأنها تلحق به مباشرة، ما يعني ان الزيادة على الاسعار قد تفوق الـ 20 في المئة لأنّ الضريبة على القيمة المضافة تحتسب بعد احتساب الدولار الجمركي.
واعطى مثالاً اي سلعة ثمنها 1000 دولار كان يدفع التاجر رسما جمركيا عليها بقيمة 10 % اي 150 الفاً، لكن بعد قرار رفع الدولار الجمركي سيصبح قيمة الرسم الجمركي عليها 3 ملايين ليرة، ما يعني ان كل سلعة جمركها 10 % وما فوق سيزيد سعرها بنسبة 20 % وما فوق.
وأكد رمال انّ 90 % من السلع الاستهلاكية التي يحتاجها المواطن سوف ترتفع من 20 الى 50 %، أما الـ10 % المتبقية فتمثّل السلع الغذائية المعفية، الا ان هذه ايضا سيزيد سعرها متأثرة بارتفاع قيمة الـ TVA وبقية الرسوم، وهذه الزيادة في مجملها ستكون اقل من 10 %.
وتخوّفَ رمال من ان يتوقف العمل في البلد لفترة الى ان يستوعب الناس الصدمة الكبيرة في زيادة الاسعار، لافتاً الى انّ ما سيعيد الحركة هي عمليات التهريب التي ستنشط إنما على حساب الاقتصاد الشرعي، وهذه ستكون خيط الخلاص للبنانيين نظراً للوفر بالكلفة.
فيما لفت الخبير المالي والاقتصادي الدكتور ايلي يشوعي الى أنه يجب أن نعرف أن أي تصحيح بالليرة اللبنانية على صعيد رسوم وضرائب وأجور وأسعار ورفع دعم… إنما سيتسبب بأن يضخّ البنك المركزي مزيداً من العملة اللبنانية ليضعها في التداول في مقابل احتياطات تتراجع يومياً بالعملة الصعبة، وهذا كلّه دليل الى أن التصحيح سيتسبب بمزيد من الارتفاع بالأسعار وبتدهور سعر صرف الليرة.
واعتبر يشوعي أنه في المبدأ يجب أن لا ترتفع أسعار السلع المستثناة من رفع سعر الدولار الجمركي ولكن لضمان هذا الموضوع يجب أن يكون هناك رقابة.
وأضاف يشوعي أنه ما من مانع من أن تحسّن الدولة من موازنتها العامّة وترفع من ايراداتها، ولكن طالما احتياطتنا مفقودة بالعملة الاجنبية سيترجم كل ذلك ارتفاعاً في الأسعار وتدهوراً في سعر الصرف الليرة.