هل سحْب الخبراء العسكريين الأمريكيين من الرياض تكتيكي أم تكنيكي؟
لعقدين من الزمن بسطت الولايات المتحدة هيمنتها على دول العالم. وانتشرت قواعدها البحرية والعسكرية في عدة دول لحماية أراضيها ومصالحها وتجارتها.
ذلك بدءاً من آسيا شرقاً إلى الشرق الأوسط؛ حيث تحتفظ القوات الأميركية بنحو 750 قاعدة عسكرية في أكثر من 130 دولة، منها أكثر من 30 قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط وحده، منوطة بها مهمات عسكرية مباشرة أو أعمال الدعم والإسناد اللوجستي. وفي منطقة الشرق الأوسط هناك ما يقارب 50 ألفاً من القوات الأمريكية والمستشارين العاملين في تلك الدول، والذين تركز وجودهم بعد عام 1991.
وقبيل عدة أيام، كان قرار البنتاغون بسحب عدد من الخبراء العسكريين من المملكة العربية السعودية، بعد أن أوقف الكونغرس الأمريكي التصديق على صفقة بيع سلاح إلى الرياض. وذلك بعد قيامها على رأس التحالف العربي بشن غارات استهدفت عن طريق الخطأ أو عن سبق إصرار مواقع مدنية، منها مدارس ومستشفيات أسفرت عن وفاة عدد من المدنيين من بينهم أطفال ونساء؛ ما دفع منظمة “أطباء بلا حدود” إلى طلب مغادرة اليمن وإنهاء عملها الإنساني بمساعدة المدنيين.
وفي حين أن عدة وسائل إعلامية أمريكية أبرزت قرار الحكومة الأمريكية سحب خبرائها من السعودية كتحول استراتيجي، رأت أخرى أن القرار تكتيكي بحت، أي أنه إعادة تموضع على نظام لعبة الشطرنج.
فقد قالت “CNN” إن الولايات المتحدة تسحب خبراءها الذين ساعدوا قوات التحالف العربي في حرب اليمن، وهي بذلك تنأى بنفسها عن المسؤولية التي حمَّلها إياها عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي ومنهم السيناتور الديمقراطي من ولاية كونيتيكت كريس ميرفي، الذي قال إن إدارة الرئيس باراك أوباما تلعب دوراً في حملة القصف السعودية في اليمن.
ونقلت “CNN” عن ميرفي قوله: “إن مشاركة الولايات المتحدة في الصراع، غير الموافق عليه من الكونغرس في اليمن، تثير المشاعر المعادية ضد واشنطن. كما أن المدنيين هناك يتعرضون للقتل بسبب ألوف الغارات، وأن “داعش” و”القاعدة” ينموان في حرب أهلية، وهو تهديد محتمل للولايات المتحدة”. وأضاف ميرفي إن “غارة جوية أصابت مستشفى تدعمه “أطباء بلا حدود” في شمال اليمن، يوم الاثنين الموافق 15 أغسطس/آب 2016، ما أسفر عن مقتل وإصابة نحو 20 من العاملين والمرضى في المستشفى. وبسبب سقوط ضحايا من المدنيين، في ظل المزيد من الدعم الأمريكي لهذه الحرب، نجد أن هناك بصمة أمريكية على كل روح مدنية فُقدت في اليمن”. وانتقد السيناتور ميرفي مبيعات الأسلحة للسعودية، معربا عن قلقه إزاء العدد الكبير للضحايا من المدنيين في اليمن.
وختم ميرفي حديثه بالقول: “إذا سألت أي أحد سيقول لك إن المملكة العربية السعودية لا يمكنها خوض حرب ما من دون دعم أمريكي لها، وهذا ما حدث في حرب اليمن. لفقد ذهبنا إلى حرب اليمن ضد الحوثيين، الذي لا يشكلون أي تهديد لنا كأمريكيين. إن الحرب في اليمن هي ضد المدنيين وليست ضد “القاعدة” أو “داعش””.
من جانبه، قال المتحدث باسم البنتاغون آدم ستامب إن القرار بسحب الخبراء قد اتخذ قبيل الضربات الأخيرة على مستشفى في منطقة حجة في اليمن، والتي أسفرت عن وفاة أكثر من 20 شخصاً، بينهم عاملون لدى منظمة “أطباء بلا حدود”، وفق ما نشره موقع “ديفونس نيوز” الأمريكي التابع لوزارة الدفاع الأمريكية.
وقالت صحيفة “ذي هيل” التابعة للكونغرس الأمريكي إن القرار جاء بعد موجة عارمة من النقد الداخلي في الولايات المتحدة وخصوصاً بين أعضاء الكونغرس الأمريكي من تزايد استهداف قوات التحالف للمدنيين في حرب اليمن التي دخلت شهرها السادس عشر.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين في منظمة “أطباء بلا حدود” تحدثوا عن سحب الخبراء الأمريكيين من الرياض إلى البحرين، إذ قالوا: “كانت قوات التحالف تصر دوماً على أنها تمتثل للقوانين الدولية. بيد أن الهجمات المتكررة على مواقع مدنية والضحايا المدنيين الذين باتوا أهدافاً للضربات الجوية تلك تشكك في صدقية تلك القوات ومراعاتها للواقع المأسوي الذي يعانيه اليمن”.
وختم موقع “ستراتفور” للدراسات الاستراتيجية تحليله بالقول إن عملية سحب 45 عنصراً من الخبراء قد تمت في شهر يونيو/حزيران الماضي وليس منذ أيام. كما أنه لم يبق في الرياض سوى خمسة خبراء، ومن المتوقع أن يغادروا المملكة قريباً.
شهاب المكاحلة – روسيا اليوم