هل ستتمكن فرنسا من الربط بين الإتحاد الأوروبي وإفريقيا؟
صحيفة البعث السورية-
ريا خوري:
تحاول فرنسا ما تستطيع في هذه المرحلة الحرجة لكي تحافظ على ما تبقى لها من نفوذ اقتصادي وسياسي، وعلى قوتها الناعمة، أمام دول وشعوب العالم. وتسعى من خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي في هذه الفترة من أجل وقف التراجع الواضح في قدراتها والمحافظة على مصالحها في محيطها الأوروبي بشكلٍ خاص، وفي فضاء دول البحر الأبيض المتوسط، شرقاً وغرباً، وفي إفريقيا بشكلٍ عام.
لقد جاءت الرئاسة الفرنسية لمجلس الاتحاد الأوروبي في سياق ظروف داخلية فرنسية معقّدة وصعبة جداً، نتيجة لانشغال النخب السياسية الفرنسية في العاصمة باريس بالحملة الانتخابية للرئاسة التي ستجرى خلال شهر نيسان المقبل 2022، والتي باتت تشهد استقطاباً كبيراً ومفاجئاً للكثيرين بين حزب الرئيس ايمانويل ماكرون وأقطاب اليمين المتطرف.
والواضح أيضاً أن شعبية الرئيس ماكرون في تراجع كبير ومستمر على المستوى الداخلي، بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة والتداعيات السلبية لجائحة كوفيد-19 على قسم كبير من الفرنسيين، وهو ما سيضعف بشكل واضح من قدرته على تمرير أهم عناصر أجندة مكتب الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، إذ من المنتظر أن يبدي الحلفاء في القارة الأوروبية عدة تحفظات بشأن خطط فرنسا الهادفة إلى إدخال بعض الإصلاحات العميقة والجذرية على مستوى سياسة الدفاع في أوروبا بكاملها وموقع دول الاتحاد الأوروبي من حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية.
ويبدي الحلفاء تحفظاتهم على ما طرحه ماكرون حول حرية تنقل الأفراد عبر فضاء شنغين، لأن هناك تخوفاً أوروبياً جدياً وكبيراً من إمكانية فوز أحزاب وقوى اليمين المتطرف بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، وتأثيرات ذلك على مستقبل الاتحاد الأوروبي وتطوره ووجوده الدائم، وبالتالي، فإنه، حتى في حال فوز الرئيس ماكرون بولاية رئاسية جديدة، فلن يكون أمامه متسع من الوقت لتطبيق الإصلاحات الفرنسية على المستوى الأوروبي بالمطلق.
نعم تعاني فرنسا من صعوبات كبيرة جداً ومعقّدة متصلة بتعقيدات وتشابك المشهد الداخلي الفرنسي، ولذلك فإن رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي ستضطرها للتعامل بكثير من الحذر والانتباه والريبة والشك مع ملفات أوروبية بالغة الحساسية، وعلى رأسها التوترات الجارية بين جمهورية روسيا الاتحادية وأوكرانيا، حيث تضغط دول أوروبا الشرقية المدعومة من الولايات المتحدة من أجل تشديد العقوبات على روسيا، وتعمل في السياق ذاته على إفشال مشروع خط نقل الغاز الروسي إلى أوروبا (سيل الشمال 2)، ولاسيما بعد مغادرة المستشارة أنجيلا ميركل، فضلاً عن الصعوبات الكبيرة الناجمة عن إخفاق مؤسسات بلجيكا في تنسيق سياسات أعضائها لمواجهة الأزمة الصحية العالمية جراء انتشار فيروس كوفيد 19، وما نتج عنها من تقليص كبير للنشاط الاقتصادي والتجاري، إضافة إلى المشكلات البيئية الصعبة، وتراجع الديمقراطية في الدول الأوروبية التي باتت ظاهرة لانتشار المدّ الشعبوي لليمين المتطرف.
يُذكر أن من أهم القضايا التي كان الرئيس ماكرون يؤكد عليها ومن المنتظر أن تسعى فرنسا إلى التركيز عليها خلال رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، هي الانتقال من أوروبا قائمة على التعاون داخل الحدود الوطنية لأعضائها إلى أوروبا قوية على المستوى الدولي، وذات سيادة كاملة ودون أي نقصان، وإعادة رسم السياسة المالية والاقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي من أجل مواجهة التبعات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصادات الأوروبية، وإلى تحويل جميع دول أوروبا إلى قوة رقمية وتكنولوجية لمواجهة هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال.
وسيسعى ماكرون بشكل خاص إلى تنظيم مؤتمر سيجمع بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي يومي 17 و18 شباط 2022 لتوطيد العلاقات بين القارتين. وكانت فرنسا نظمت، في السياق نفسه، في 8 تشرين الأول 2021 الماضي في مدينة مونبوليي مؤتمراً جمع الرئيس الفرنسي ماكرون بالشباب والجمعيات الأهلية الإفريقية من دون حضور قادة أي دولة كي يتفرَّد بالأمر، من أجل محاولة تجاوز إخفاقات الدبلوماسية الفرنسية التي تكرّرت في إحداث القطيعة مع الإرث الاستعماري لفرنسا.
وستسعى فرنسا من خلال كل هذه التحركات السياسية وتلك الندوات والمؤتمرات إلى وقف التراجع الواضح للنفوذ الفرنسي في مناطق عدة من العالم، ولاسيما في القارة الإفريقية وقارة أوروبا، إذ أنه وباستثناء علاقات فرنسا التقليدية بعدد قليل من الدول المجاورة لها، فإنها تكتفي في هذه المرحلة بالذات بلعب دور الوصيف لألمانيا في تعاملاتها مع الأغلبية الساحقة من الدول الأوروبية.