هل رفعت السعودية الغطاء الأمني عن هادي؟
صحيفة الأخبار اللبنانية:
طريق مسدود تواجهه السعودية في محاولاتها إيجاد مخرج مشرّف لها من المستنقع اليمني، ربما تكون الكوّة الوحيدة في فتحه رفع الغطاء الأمني عن الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي. هذا على الأقل ما يسرّ به تقرير أمني سرّي سرّبته شخصية سعودية سبق أن أيّدت العدوان، بحجة أن انتفاء وجود هادي يعني بطبيعة الحال زوال أسباب العدوان
يبدو أن العدوان السعودي على اليمن قد شارف على نهايته، فيما تبرز سيناريوات إنقاذ للسعودية من المأزق الذي باتت تشعر أن لا خلاص منه. فشل ميداني وسياسي متراكم، هو الحصيلة الوحيدة لحرب الرياض المستمرة منذ تسعة أشهر. السيطرة على بعض المحافظات الجنوبية في تموز الماضي، هي آخر «إنجازات» قوات «التحالف» الذي تقوده السعودية، قبل أن يتبيّن أنها عملية «تحرير لمصلحة متفرعات تنظيم القاعدة» الذي يثبت سيطرته من المكلا في حضرموت إلى عدن مروراً بأبين، في سيطرة شبه تامة على الشريط الساحلي الجنوبي، فضلاً عن الامساك بمناطق واسعة من وادي حضرموت وباقي المحافظات الجنوبية.
معركة «تحرير تعز» كانت آخر الرهانات الخاسرة لقوات «التحالف» والمجموعات المسلحة المؤيدة لها، حيث غرق العدوان في المحافظة التي ظلّت عصية حتى الساعة، حتى إن قادتهم أقرّوا بذلك (رسالة قائد العمليات في تعز ناصر باصميع إلى الرئيس الفار عبد ربه هادي قبل أيام)، فيما سكتت التغطية الاعلامية الخليجية لمعركة تعز فجأةً، بعدما هلّلت لها رغبة في انتصار يضمن «الخروج المشرّف» من الحرب.
ومع اقتراب انعقاد المحادثات السياسية، يجري التداول على مستويات أمنية بمعلومات تحذر من إمكانية تعرض هادي لعملية اغتيال في عدن، وعلى أيدي التنظيمات التكفيرية، ما يحقق حجة ضرورية للسعودية، بغية طيّ صفحة العدوان من دون الإقرار بالهزيمة الواقعة فعلاً. فهادي وشرعيته كانا السبب المعلن لشنّ الرياض وحلفائها، بين ليلةٍ وضحاها، في آذار الماضي، حربهم على اليمن، وبمقتله سينتفي سبب العدوان، ما يسهّل إعلان نهايته مع الحفاظ على الحدّ الأدنى من ماء الوجه الذي أهدر في الميدان اليمني.
هذه المعلومات وردت في تقرير سرّبته «شخصية بارزة» تقيم الآن في الرياض. وهي شخصية كانت قد أيّدت العدوان قبل أن تغيّر موقفها أخيراً، «لكونها لم تتوقع أن يذهب العدوان إلى هذا الحد من ارتكاب الجرائم والتدمير». وسبق لهذه الشخصية أن قامت بتسريب معلومات وتقارير عن وجود رئيس الامن القومي السابق، علي الاحمدي، ووزراء من حكومة خالد بحاح وقيادات إماراتية في عدن، قبل أن ينفذ الجيش و«اللجان الشعبية» عملية تؤدي إلى مقتل عدد من هؤلاء الذين كانوا في منزل بن فريد العولقي داخل عدن، بواسطة صواريخ «كاتيوشا».
ويشير التقرير المسرّب إلى أن الرياض، بعد انعدام خياراتها الميدانية، رأت ضرورة انتفاء مبرر العدوان الذي شنّته وفق قرارات دولية وتأييد من المجتمع الدولي بمبرر شرعية هادي، وبشكل يجعل المجتمع الدولي المؤيد متورّطاً في جرائم الحرب التي ارتكبها العدوان بحق اليمنيين. ولأن هادي كان «الشماعة»، ترى السعودية أنه المسؤول الأول عن هذه الجرائم والشخصية التي ستتحمل العبء كاملاً، لكونه هو من طالب بالتدخل العسكري الخارجي بصفته رئيساً لليمن، من دون أن يتحمل الخارج المعتدي أي مسؤولية، إذ إن تدخله كان «مشروعاً» بموافقة رئيس اليمن بحسب زعمهم. وتهدف التصفية المحتملة كذلك إلى التخلص من عبء الجرائم وإلى دفن أسرار ملف العدوان بصورة كاملة. وبتصفية هادي يتم دفن ملف أسرار العدوان وإلصاق جرائم الحرب بـ«الشرعية» التي طلبت هذا التدخل، خصوصاً مع اقتراب «جنيف ــ 2» واحتمال تحقق حلول سياسية تفضي الى وقف العدوان وفتح ملفات جرائم الحرب التي تدين السعودية. وتفيد المعلومات بأن السعودية تسعى بعد ذلك إلى تقديم خالد بحاح كرجل وحيد للمرحلة، وكخيار وحيد لجميع دول العدوان، ليكون مستقبلاً رئيساً لليمن، بعد الضغط على جميع الاطراف للقبول به.
ويشير التقرير إلى أن من يقف خلف هذه الخطة لا يهتم لأن يجري إلصاق اغتيال هادي بالتنظيمات المتطرفة، أو أن يجري تسهيل قيام «داعش» أو «القاعدة» بالعملية. ويسكن هادي الذي عاد إلى عدن قبل أسابيع قليلة في قصر المعاشيق الذي يقع في منطقة نائية على البحر، محاطة بمواقع صخرية، تحت حراسة مشددة من قوات إماراتية وسودانية، كذلك توجد هناك مجموعة من «قوات حراسة» خاصة من جنسيات أجنبية.
ويعيش جنوبي اليمن اليوم أزمة كبيرة جراء الاغتيالات السياسية التي لم تقم السعودية بأي عمل أمني أو عسكري أو سياسي لمنع تكرارها، ما خلق مناخاً لارتكاب الجرائم كالتي تبنّاها «القاعدة» و«داعش» في عدن، والتي استهدفت مختلف الشخصيات في «الحراك الجنوبي» و«المقاومة الجنوبية»، بشكل ظهّرهم خارج اللعبة أمام الرأي العام، وبأنهم أصحاب مشروع مختلف، حيث إن ضحاياهم دائماً خليط من الموالين للسعودية والموالين للإمارات.
وكانت السعودية قد ضغطت على هادي للذهاب إلى عدن مع باقي الوزراء في حكومة بحاح ومجموعة من الشخصيات المؤيدة للعدوان. وبعدما وجدت السعودية نفسها في موقف محرج أمام رفض «المقاومة الجنوبية» لأي حكومة في عدن تضم وزراء من الشمال، أرادت بالسيطرة على تعز أن تنقل حكومة بحاح إليها لكون الوزراء الشماليين غير مرحّب بهم في عدن، حيث هدّدت قوى «الحراك الجنوبي» بطردهم بالقوة. وبالتالي، كان الخيار أن يتم اختيار عاصمتين لعمل هذه الحكومة، الأولى في عدن يتم فيها تشغيل وزارات الجنوبيين، والثانية تعز يقيم فيها وزراء الشمال. وبخلاف ذلك، يكون العدوان قد فشل في الحفاظ على الوحدة اليمنية وساند الانفصال في حال تغيير الحكومة بوزراء كلهم من الجنوب.